عدد مرات النقر : 3,015
عدد  مرات الظهور : 41,796,797 
عدد مرات النقر : 2,306
عدد  مرات الظهور : 35,106,941 منتديات طموح ديزاين
عدد مرات النقر : 6,967
عدد  مرات الظهور : 70,333,456
منتديات شبكة ابن الصحراء
عدد مرات النقر : 5,577
عدد  مرات الظهور : 59,743,890 
عدد مرات النقر : 4,031
عدد  مرات الظهور : 38,990,956 
عدد مرات النقر : 754
عدد  مرات الظهور : 33,740,891

عدد مرات النقر : 497
عدد  مرات الظهور : 35,915,5330 
عدد مرات النقر : 0
عدد  مرات الظهور : 35,144,0377 
عدد مرات النقر : 1,129
عدد  مرات الظهور : 41,796,8112

عدد مرات النقر : 3,185
عدد  مرات الظهور : 17,795,4674 
عدد مرات النقر : 256
عدد  مرات الظهور : 15,264,625

عدد مرات النقر : 393
عدد  مرات الظهور : 9,238,823 
عدد مرات النقر : 313
عدد  مرات الظهور : 8,521,159

عدد مرات النقر : 324
عدد  مرات الظهور : 6,549,685 
عدد مرات النقر : 321
عدد  مرات الظهور : 7,272,4259
- مـــدونـات الأعــضــاء هُنآ " | مساحتك الحرة| عآلمْك الهادئ "| تُهمس مآ بُدآخلك| وَ [ نُتآبْعك بـ صمْتَ ] ~ |

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 04-25-2014
مفرح التليدي غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 948
 تاريخ التسجيل : Jan 2012
 فترة الأقامة : 4488 يوم
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (07:14 AM)
 المشاركات : 10,284 [ + ]
 التقييم : 28159
 معدل التقييم : مفرح التليدي سمته فوق السحابمفرح التليدي سمته فوق السحابمفرح التليدي سمته فوق السحابمفرح التليدي سمته فوق السحابمفرح التليدي سمته فوق السحابمفرح التليدي سمته فوق السحابمفرح التليدي سمته فوق السحابمفرح التليدي سمته فوق السحابمفرح التليدي سمته فوق السحابمفرح التليدي سمته فوق السحابمفرح التليدي سمته فوق السحاب
بيانات اضافيه [ + ]
مدونة الخطب والدروس والفوائد الشرعيه



الحمد لله الذي كان بعباده خبيرا بصيرا .


وتبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا .


وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يتذكر أو أراد شكورا


وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا .


الذي له ملك السموات والارض ولم يتخذ ولدا. ولم يكن له شريك في الملك .


وخلق كل شيئ فقدره تقديرا .


والصلاة والسلام على من بعثه ربه هاديا ومبشرا ونذيرا وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا

وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له

وأشهد أن محمد عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه

بلغ الرسالة وأدى الأمانه ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين من ربه

فصلى الله وسلم على حامل لواء العز في بني لؤي

وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي

صاحب الغرة والتحجيل . المؤيد بجبريل

المذكور في التوراة والانجيل .المعلم الجليل

صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا الى يوم الدين

أما بعد


فقد قررت أن أبدأ بمدونة لي وقد أسميتها

( مدونة الدروس والفوائد الشرعيه )

وسوف أتحفكم فيها باذن الله مما لذ وطاب

من الدروس والأحكام والفتاوى والفوائد الشرعيه

في العقيده والفقه والسنه والسير

وغيرها كثير ..........


وبسم الله نبدأ






 توقيع : مفرح التليدي


رد مع اقتباس
قديم 04-25-2014   #2


الصورة الرمزية مفرح التليدي
مفرح التليدي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 948
 تاريخ التسجيل :  Jan 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (07:14 AM)
 المشاركات : 10,284 [ + ]
 التقييم :  28159
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: مدونة الدروس والفوائد الشرعيه






العقيدة الإسلامية اسسها واركانها والهدف منها
للشيخ ابن العثيمين



أركان الإسلام

أركان الإسلام : أسسه التي ينبني عليها ، وهي خمسة : مذكورة فيما رواه ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (بُنيَ الإسلام على خمسة : علـى أنْ يُوَحَّـدَ اللهُ - وفي رواية علـى خمس - : شهادةِ أنْ لا إله إلا الله ، وأنَّ محمدًا عبده ورسوله ، وإقامِ الصلاة ، وإيتاءِ الزكاة ، وصيامِ رمضان ، والحجِّ ) فقال رجل : الحج ، و صيـام رمضان ، قال : (لا ، صيـام رمضان ، والحج ) ، هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) .

1- أما شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدًا عبده ورسوله فهي : الاعتقاد الجازم المعبَّر عنه باللسان بهذه الشهادة ، كأنه بجزمه في ذلك مشاهد له ، وإنما جُعلت هذه الشهادة ركنًا واحدًا مع تعدد المشهود به :
إما : لأن الرسول صلى الله عليه وسلم مبلغ عن الله تعالى ، فالشهادة له صلى الله عليه وسلم بالعبودية والرسالة من تمام شهادة أن لا إله إلا الله .
وإما: لأن هاتين الشهادتين أساس صحة الأعمال وقبولها ، إذ لا صحة لعمل ، ولا قبول ، إلا بالإخلاص لله - تعالى - والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم فبالإخلاص لله تتحقق شهادة : أن لا إله إلا الله ، وبالمتابعة لرسول الله تتحقق شهادة : أنَّ محمدًا عبده ورسوله
ومن ثمرات هذه الشهادة العظيمة : تحريرُ القلب والنفس من الرق للمخلوقين ، و من الاتباع لغير المرسلين .
2- وأما إقام الصلاة : فهو التعبد لله- تعالى- بفعلها على وجه الاستقـامة ، و التمـام في أوقاتها ، وهيئاتها .
ومن ثمراته : انشراح الصدر ، وقرة العين ، والنهي عن الفحشاء و المنكر .
3- وأما إيتاء الزكاة : فهو التعبد لله- تعالى- ببذل القدر الواجب في الأموال الزكوية المستحقة .

ومن ثمراته : تطهيرُ النفس من الخُلق الرذيل (البخل) ، وسد حاجة الإسلام و المسلمين .

4- وأما صوم رمضان : فهو التعبد لله- تعالى- بالإمساك عن المفطرات في نهار رمضان .

ومن ثمراته : ترويض النفس على ترك المحبوبات ؛ طلبـًا لمرضاة الله عزَّ وجلَّ .

5- وأما حج البيت : فهو التعبد لله- تعالى - بقصد البيت الحرام ؛ للقيام بشعائر الحج .

ومن ثمراته : ترويض النفس على بذل المجهود المالي ، والبدني في طاعة الله- تعالى - ولهذا كان الحج نوعـًا من الجهاد في سبيل الله - تعالى- .

وهذه الثمرات التي ذكرناها لهذه الأسس ، وما لم نذكره تجعلُ من الأمَّةِ أمَّةً إسلاميَّة طاهرة نقيَّة ، تدين لله دين الحق ، وتعاملُ الخلق بالعدل والصدق ؛ لأن ما سواها من شرائع الإسلام يصلح بصلاح هذه الأسس ، وتصلحُ أحوال الأمة بصلاح أمر دينها ، ويفوتُها من صلاح أحوالها بقدر ما فاتها من صلاح أمور دينها .

ومن أراد استبانة ذلك ؛ فليقرأ قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْفَأَخَذْنَاهُم بـِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتـًا وَهُمْ نَآئِمُونَ * أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحَىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) [سورة الأعراف : 96-99] ولينظر في تاريخ من سبق ؛ فإن التاريخ عبرة لأولي الألباب ، وبصيرة لمن لم يَحُلْ دون قلبه حجاب ، و الله المستعان .

أسس العقيدة الإسلامية

الدين الإسلامي : - كما سبق - عقيدة وشريعة ، وقد أشرنا إلى شيء من شرائعه ، وذكرنا أركانه التي تعتبر أساسـًا لشرائعه .
أما العقيدة الإسلامية : فأسسهـا الإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، والقدر : خيره ، وشره .
وقد دلَّ علـى هذه الأسس كتاب الله ، وسنـة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ففي كتاب الله- تعالى- يقول : ( لَّيْسَ الْبـِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبـِرَّ مَنْ آمَنَ بـِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبـِـيِّينَ) [سورة البقرة : 177].
ويقول في القدر : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بـِقَدَرٍ * وَمَا أَمْرُنـَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بـِالْبَصَرِ) [ سورة القمر : 49 ، 50].

وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول النبي صلى الله عليه وسلم مجيبـًا لجبريل حين سأله عن الإيمان

أنْ تؤمنَ بالله ، وملائكتـه ، وكتبـه ، ورسله ، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر: خيره وشره ) (2) .


الإيمان بالله تعالى

فأما الإيمان بالله فيتضمَّنُ أربعة أمور :
الأول : الإيمان بوجود الله- تعالى - :

وقد دلَّ على وجوده - تعالى -: الفطرة ، والعقل ، والشرع ، والحس .
1- أما دلالة الفطرة على وجوده - سبحانه- : فإنَّ كل مخلوق قد فُطِرَ على الإيمان بخالقه من غير سبق تفكير ، أو تعليم ، ولا ينصرف عن مقتضى هذه الفطـرة إلاَّ من طرأ على قلبـه ما يصرفه عنها ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (ما من مولود إلا و يولدُ على الفطرة ، فأبواهُ يهودانه ، أو ينصرانه ، أو يمجسانه ) (2) .

2- وأما دلالة العقل على وجود الله- تعالى - فلأن هذه المخلوقات : سابقها ولاحقها ، لابد لها من خالق أوجدها ، إذ لا يمكن أن توجد نفسها بنفسها ؛ ولا يمكن أن توجد صدفة.
لا يمكن أن توجد نفسها بنفسها ؛ لأن الشيء لا يخلقُ نفسه ؛ لأنه قبل وجوده معدوم فكيف يكون خالقـًا ؟!
ولا يمكن أن توجد صدفة ؛ لأن كل حادث لابد له من محدث ، ولأن وجودها على هذا النظام البديع ، والتناسق المتآلف ، و الارتباط الملتحم بين الأسباب ومسبباتها ، وبين الكائنات بعضها مع بعض يمنعُ منعـًا باتـًّا أن يكون وجودها صدفة ، إذ الموجود صدفة ليس على نظام في أصل وجوده فكيـف يكـون منتظمـًا حـال بقائه وتطـوره ؟!
وإذا لم يمكن أن توجد هذه المخلـوقات نفسهـا بنفسها ، ولا أن توجد صدفة ؛ تعيَّن أن يكون لها موجد هو الله رب العالمين .
وقد ذكر الله تعالى هذا الدليل العقلي ، و البرهان القطعي ، حيث قال : (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) [ سورة الطور : 35]. يعني : أنهم لم يُخْلَقُوا من غير خالق ، ولا هم الذين خلقُـوا أنفسهـم ؛ فتعين أن يكـون خالقـهم هو الله تبارك و تعالى ، ولهذا لما سمع جبير بن مطعم t رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة الطور فبلغ هذه الآيات : ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السموات وَالأرْضَ
بَل لا يُوقِنُونَ * أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ
الْمُصَيْطِرُونَ) [سورة الطور : 35-37].
وكان جبير يومئذ مشركًا قال : (كاد قلبي أن يطير ، وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي ) (3) .
ولنضرب مثلاً يوضح ذلك : فإنه لو حدَّثك شخص عن قصرٍ مشيَّد ، أحاطتْ به الحدائق ، وجرت بينها الأنهار ، ومُلئ بالفرش والأسِرَّة ، وزُيِّن بأنواع الزينة من مقوماته ومكملاته ، وقال لك : إنَّ هذا القصر وما فيه من كمال قد أوْجد نفسه ، أو وُجِد هكذا صدفة بدون مُوجد ؛ لبادرت إلى إنكار ذلك وتكذيبه، وعددت حديثهُ سفهـًا من القول ، أفيجوز بعد ذلك أن يكون هذا الكون الواسع: بأرضه ، وسمائه ، وأفلاكه ، وأحواله ، ونظامه البديع الباهر ، قد أوجَدَ نفسه ، أو وُجد صدفة بدون موجد ؟!

3- وأما دلالة الشرع على وجود الله - تعالى- : فلأن الكتب السماوية كُلَّها تنطقُ بذلك ، وما جاءت به من الأحكام العادلة المتضمنة لمصالح الخلق ؛ دليل على أنها من رب حكيم عليم بمصالح خلقه ، وما جاءت به من الأخبار الكونية التي شهد الواقع بصدقها ؛ دليل على أنها من رب قادر على إيجاد ما أخبر به .

4- وأما أدلة الحس على وجود الله ؛ فمن وجهين: أحدهما : أننا نسمعُ ونشاهدُ من إجابة الداعين ، وغوث المكروبين ، ما يدلُ دلالة قاطعة على وجوده تعالى ، قال الله سبحانه: (وَنُوحًا إِذ نـَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ ) [سورة الأنبياء: 76] ، وقال تعالى: (إِذ تـَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ) [سورة الأنفال : 9].

وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك t قال : إنَّ أعرابيـًّا دخل يوم الجمعة - والنبي صلى الله عليه وسلم يخطبُ - فقال : يا رسول الله ، هلك المال ، وجاعَ العيال ، فادع الله لنا ؛ فرفع يديه ودعا ؛ فثار السحاب أمثال الجبال ، فلم ينزل عن منبره حتى رأيتُ المطر يتحادر على لحيته . - وفي الجمعة الثانية ، قام ذلك الأعرابي ، أو غيره فقال : يا رسول الله - تهدم البناء ، وغرق المال ، فادع الله لنا ؛ فرفع يديه ، وقال : (اللهم حوَاليْنا ولا عَلَيْنَا ، فما يشير إلى ناحية إلا انفرجت) (4) .
وما زالت إجابة الداعيـن أمرًا مشهودًا إلى يومنا هذا ؛ لمن صدق اللجوء إلى الله تعالى ، وأتى بشرائط الإجابة .
الوجه الثاني : أنَّ آيات الأنبياء التي تسمَّى المعجزات ويشاهدها الناس ، أو يسمعون بها ، برهان قاطع على وجود مرسلهم ، وهو الله تعالى؛ لأنها أمور خارجة عن نطاق البشر ، يجريها الله تعالى ؛ تأييدًا لرسله ، ونصرًا لهم .
مثال ذلك آية موسى صلى الله عليه وسلم حين أمره الله تعالى أن يضرب بعصاه البحر ، فضربه ؛ فانفلَق اثنى عشر طريقـًا يابسـًا ، والماء بينها كالجبال ، قال الله تعالى : (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ) [سورة الشعراء : 63].
ومثال ثانٍ: آية عيسى صلى الله عليه وسلم حيث كان يحيي الموتى ، ويخرجهم من قبورهم بإذن الله ، قال الله تعالى عنه : (وَأُحْيـِي الْمَوْتَى بـِإِذنِ اللّهِ) [سورة آل عمران : 49] ، وقـال : ( وَإِذ تُخْرِجُ الْمَوتَى بـِإِذنِي) [سورة المائدة :110] .
ومثال ثالث : لمحمد صلى الله عليه وسلم حين طلبت منه قريش آية ، فأشار إلى القمر ؛ فانفلق فرقتين ، فرآه الناس، وفي ذلك قوله تعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ) [سورة القمر : 1-2] .

فهذه الآيات المحسوسة التي يجريها الله تعالى ؛ تأييدًا لرسله ، ونصرًا لهم ، تدلُ دلالة قطعية على وجوده تعالى.
الأمر الثاني مما يتضمنه الإيمان بالله : الإيمان بربوبيَّته أي بأنه وحده الرب لا شريك له ولا معين .
والرب : من له الخلق ، والملك، و الأمر ، فلا خالق إلا الله ، ولا مالك إلا هو، و لا أمر إلا له ، قال تعالى: (أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ) [سورة الأعراف : 54] وقال (ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ) [ سـورة فاطـر : 13].
ولم يعلم أن أحدًا من الخلق أنكر ربوبية الله

سبحانه ، إلا أن يكون مكابرًا غير معتقد بما يقول، كما حصل من فرعون ، حين قال لقومه : (أَنَا ربُّكم الأَعلى) [سورة النازعات : 24] وقال : (يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي) [سورة القصص : 38] ، لكن ذلك ليس عن عقيدة ، قال الله تعالى : (وَجَحَدُوا بـِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا) [سورة النمل : 14] . وقال موسى لفرعون ، فيما حكى الله عنه : ( لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السموات وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لأظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُورًا) [سورة الإسراء : 102] ولهذا

كان المشركون يقرُّون بربوبية الله تعالى ، مع إشراكهم به في الألوهية ، قال الله تعالى : ( قُل لِّمَنِ الأرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذكَّرُونَ * قُلْ مَن رَّبُّ السموات السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ * قُلْ مَن بـِـيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجـِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُم تَعْلَمُونَ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ ) [سـورة المؤمنون : 84-89].
وقال الله تعالى : (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) [سورة الزخرف : 9].

وقال سبحانه : (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) [سورة الزخرف : 87].
وأمر الله سبحانه شامل للأمر الكوني والشرعي ، فكما أنه مدبر الكون القاضي فيه بما يريد ، حسب ما تقتضيه حكمته ، فهو كذلك الحاكم فيه بشرع العبادات ، وأحكام المعاملات ، حسبما تقتضيه حكمته ، فمن اتخذ مع الله تعالى مشرِّعـًا في العبادات ، أو حاكمـًا في المعاملات ؛ فقد أشرك به ، ولم يحقق الإيمان .
الأمر الثالث مما يتضمنه الإيمان بالله : الإيمان بألوهيَّته أي : بأنه وحده الإله الحق لا شريك له ، و(الإله) بمعنى : (المألوه) أي : (المعبود) حبًّا وتعظيمًا .

قال تعالى : ( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَـنُ الرَّحِيـمُ ) [ سـورة البقرة : 163] ، وقـال تعالى : ( شَهِـدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُـوَ وَالْمَلاَئِكَـةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمـًا بالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) [سورة آل عمران : 18 ] ، وكل من اتخذ إلهـًا مـع الله ، يعبد مـن دونه ؛ فألوهيته باطلة ، قال الله تعالى : (ذلِكَ بـِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبـِيرُ) [سورة الحج : 62]. وتسميتها آلهـة ؛ لا يعطـيها حق الألـوهيـة ، قــال الله تعـالى في ( اللات والعزى ومناة ) :

( إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بـِهَا مِن سُلْطَانٍ) [سورة النجم : 23] .
وقال عن هود : إنه قال لقومه : ( أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤكُم مَّا نَزَّلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ) [سورة الأعراف : 71] .

وقال عن يوسف - عليه السلام - أنه قال لصاحبي السجن : (أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بـِهَا مِن سُلْطَانٍ) [سورة يوسف : 39 ، 40]

ولهذا كانت الرسل - عليهم الصلاة والسلام -يقولون لأقوامهم : (اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) [سورة الأعراف : 59] ، ولكن أبى ذلك المشركون ، واتخذوا من دون الله آلهة ، يعبدونهم مع الله سبحانه و تعالى ، ويستنصرون بهم ، ويستغيثون .
وقد أبطل الله تعالى اتخاذ المشركين هذه الآلهة ببرهانين عقليين :
الأول : أنه ليس في هذه الآلهة التي اتخذوها شيء من خصائص الألوهية ، فهي مخلوقة لا تخلقُ، ولا تجلب نفعـًا لعابديها ، ولا تدفع عنهم ضررًا ، ولا تملك لهم حياة ، ولا موتـًا ، ولا يملكون شيئـًا من السموات ، ولا يشاركون فيه.

قـال الله تعالى : (وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُـونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُـورًا) [سورة الفرقان :3] .

وقال تعالى : (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ * وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) [سورة سبأ : 22 ، 23] وقال تعالى : (أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ) [سورة الأعراف : 191 ، 192] .
وإذا كانت هذه حال تلك الآلهة ؛ فإن اتخاذها آلهة من أسفه السفه ، وأبطل الباطل .
والثاني : أن هؤلاء المشركين ، كانوا يقرون بأن الله تعالى وحده الرب الخالق الذي بيده ملكوت كل شيء ، وهو يجيرُ ولا يُجارُ عليه ، وهذا يستلزم أن يوحِّدوه بالألوهية ، كما وحَّدوه بالربوبية ، كما قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشـًا وَالسَّمَاء بـِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بـِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقـًا لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ
تَعْلَمُونَ ) [سورة البقرة : 21 ، 22] .
وقال تعالى : (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) [سورة الزخرف : 87] .
وقال تعالى : ( قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ * فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَـاذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْـرَفُونَ ) [سورة يونس : 31 ، 32]
الأمر الرابع مما يتضمنه الإيمان بالله : الإيمان بأسمائه وصفاته :
أي : إثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه ، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء ، و الصفات ، على الوجه اللائق به من غير تحريف ، ولا تعطيل ، ولا تكييف ، و لا تمثيل ، قال الله تعالى : (وَلِلَّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بـِهَا وَذرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [سورة الأعراف : 180] ، وقال تعالى : (وَلَهُ الْمَثَلُ الأعْلَى فِي السَّمَواتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [سورة الروم : 27] ، وقال تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [سورة الشورى : 11]

وقد ضلَّ في هذا الأمر طائفتان :

إحداهما : (المعطِّلة) الذين أنكروا الأسماء و الصفات ، أو بعضها ، زاعمين أن إثباتها لله يستلزم التشبيه ، أي : تشبيه الله تعالى بخلقـه ، وهذا الزعم باطل ؛ لوجوه ، منها :
الأول : أنه يستلزم لوازم باطلة ؛ كالتناقض في كلام الله سبحانه ، وذلك أن الله تعالى أثبت لنفسه الأسماء ، والصفات ، ونفى أن يكون كمثله شيء ، ولو كان إثباتها يستلزم التشبيه ؛ لزم التناقض في كلام الله ، وتكذيب بعضه بعضـًا .
الثاني : أنه لا يلزم من اتفاق الشيئين في اسم أو صفة أن يكونا متماثلين ، فأنت ترى الشخصين يتفقان في أن كلاًّ منهما إنسان سميع ، بصير ، متكلم ، ولا يلزم من ذلـك أن يتماثلا في المعـاني الإنسانية ، والسمع ، والبصـر ، والكلام ، وترى الحيـوانات لها أيدٍ ، وأرجلٌ ، وأعينٌ ، ولا يلزم من اتفاقها هذا أن تكون أيديها ، وأرجلها ، وأعينها متماثلة .
فإذا ظهر التباين بين المخلوقات فيما تتفقُ فيه
من أسماء ، أو صفات ؛ فالتباين بين الخالق و المخلوق أبين وأعظم .
الطائفة الثانية : (المشبهة) الذين أثبتوا الأسماء
والصفات مع تشبيه الله تعالى بخلقه ، زاعمين أن هذا مقتضى دلالة النصوص ؛ لأن الله تعالى يخاطب العباد بما يفهمون ، وهذا الزعم باطل ؛ لوجوه منها :
الأول : أن مشابهة الله تعالى لخلقـه أمر يبطله العقل ، والشرع ، ولا يمكن أن يكون مقتضى نصوص الكتاب والسنة أمرًا باطلاً .
الثاني : أن الله تعالى خاطبَ العباد بما يفهمون من حيث أصل المعنى ، أما الحقيقة والكُنْه الذي عليه ذلك المعنى ؛ فهو مما استأثر الله تعـالى بعلمـه فيما يتعلق بذاته ، وصفاته.
فإذا أثبت الله لنفسه أنه سميع ؛ فإن السمع معلوم من حيث أصل المعنى ، (وهو إدراك الأصوات) لكن حقيقة ذلك بالنسبة إلى سمع الله تعالى غير معلومة ؛ لأن حقيقة السمع تتباين حتى في المخلوقات ؛ فالتباين فيها بين الخالق و المخلوق أبين وأعظم .

وإذا أخبر الله تعالى عن نفسه أنه استوى على عرشه ؛ فإن الاستواء من حيث أصل المعنى معلوم، لكن حقيقة الاستواء التي هو عليها غير معلومة لنا بالنسبة إلى استواء الله على عرشه ؛ لأن حقيقة الاستواء تتباين في حق المخلوق ، فليس الاستواء على كرسي مستقر كالاستواء على رحل بعير صعب نفور ، فإذا تباينت في حق المخلوق ؛ فالتباين فيها بين الخالق و المخلوق أبين و أعظم .

والإيمان بالله تعالى على ما وصفنا يثمر للمؤمنين ثمرات جليلة ، منها :

الأولى : تحقيق توحيد الله تعالى ، بحيث لا يتعلق بغيره رجاء ، ولا خوف ، ولا يعبد غيره .
الثانية : كمال محبة الله تعالى ، وتعظيمه بمقتضى أسمائه الحسنى ، وصفاته العليا .
الثالثة : تحقيق عبادته بفعل ما أمر به ، واجتناب ما نهى عنه .


أهداف العقيدة الإسلامية

الهدف (لغة) : يطلق على معانٍ منها : (الغـَرَضُ ، ينصب ؛ ليرمي إليه ، وكل شيء مقصود ) .
أهداف العقيدة الإسلامية : مقاصدها ، وغاياتها النبيلة ، المترتبة على التمسك بها ، وهي كثيرة متنوعة فمنها :
أولاً : إخلاص النيـة ، والعبادة لله تعـالى وحده ؛ لأنه الخالق لا شريك له ؛ فوجب أن يكون القصد ، والعبادة له وحده .
ثانيـًا : تحرير العقل ، والفكر من التخبُّط الفوضويِّ الناشئ عن خـُلُوِّ القلب من هذه العقيدة ؛ لأن من خلا قلبه منها ؛ فهو إما فارغ القلب من كل عقيدة ، وعابد للمادة الحسِّيَّة فقط ، وإما متخبط في ضلالات العقائد ، والخرافات .
ثالثـًا : الراحة النفسية ، والفكرية ، فلا قلق
في النفس ولا اضطراب في الفكر ؛ لأن هذه العقيدة تصـل المؤمن بخالقه ؛ فيرضـى به ربـًّا مدبرًا ، وحاكمـًا مشرِّعـًا ؛ فيطـمئـنُ قلبه بقدره ، وينشرح صـدره للإسلام ؛ فلا يبغي عنه بديلاً .
رابعـًا : سلامة القصد ، والعمل من الانحراف في عبادة الله تعالى ، أو معاملة المخلوقين ؛ لأن من أسسها الإيمان بالرسل ، المتضمن لاتباع طريقتهم ذات السلامة في القصد و العمل .
خامسـًا : الحزم و الجد في الأمور ، بحيث لا يفوِّت فرصة للعمل الصالح إلا استغلها فيه ؛ رجاء للثواب ، ولا يرى موقع إثم إلا ابتعد عنه ؛ خوفـًا من العقاب ؛ لأن من أسسها الإيمان بالبعث والجزاء على الأعمال .
قال الله تعالى : ( وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَمَا رَبُّكَ بغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) [سورة الأنعام : 132] ، وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم علـى هذه الغـاية في قوله : (المؤمن القوي خيرٌ ، وأحب إلى الله من المؤمن الضعيـف ، وفي كل خير ، احرص علـى ما ينفعـك ، واستعن بالله ، ولا تعجز ، وإن أصابك شيء فلا تقل : لو أنِّي فعلت كذا كان كذا وكذا ، ولكن قلْ : قدَّر الله وما شاء فعل ؛ فإن (لو) تفتح عمل الشيطان ) (5) .
سادسـًا : تكوين أمَّة قوية تبذل كلَّ غالٍ ورخيص في تثبيت دينها ، وتوطيد دعائمه ، غير مبالية بما يصيبها في سبيل ذلك ، وفي هذا يقول الله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثـُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) [سورة الحجرات : 15].
سابعـًا : الوصول إلى سعادة الدنيا والآخرة بإصلاح الأفراد والجماعات ، ونيل الثواب والمكرمات، وفي ذلك يقول الله تعالى : (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [سورة النحل : 97] .
هذه بعض أهداف العقيدة الإسلامية ... نرجو الله تعالى أن يحققهـا لنا ، ولجميـع المسلمين ، إنه جواد كريم ، والحمد لله رب العالمين .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،،،



الفهرس




(1) رواه البخاري ، كتاب الإيمان ، باب الإيمان وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس ) ، رقم (العقيدة الإسلامية اسسها واركانها والهدف ، ورواه مسلم ، كتاب الإيمان ، باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام ، رقم (111) .

(2) رواه البخاري ، كتاب الجنائز ، باب ما قيل في أولاد المشركين ، رقم (1319) .
(3) رواه - البخاري - مفرقـًا ، كتاب التفسير ، باب تفسير سورة الطور ، رقم (4573) .

(4) رواه البخاري ، كتاب الجمعة ، باب الاستسقاء في الخطبـة يوم الجمعة ، رقم : (891).

(5) رواه مسلم ، كتاب القدر ، باب في الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله وتفويض المقادير لله ، رقم ( 6716) .



يتبع ....




 

رد مع اقتباس
قديم 04-25-2014   #3


الصورة الرمزية مفرح التليدي
مفرح التليدي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 948
 تاريخ التسجيل :  Jan 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (07:14 AM)
 المشاركات : 10,284 [ + ]
 التقييم :  28159
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: مدونة الدروس والفوائد الشرعيه






الإيمان بالكتب


الكتب : جمع (كتاب) بمعنى (مكتوب) .
والمراد بها هنا : الكتب التي أنزلها الله تعالى على رسله رحمة للخلق ، وهداية لهم ، ليصلُوا بها إلى سعادتهم في الدنيا والآخرة .


والإيمان بالكتب يتضمن أربعة أمور :


الأول : الإيمان بأن نزولها من عند الله حقًّا .
الثاني : الإيمان بما علمنا اسمه منها باسمه : كالقرآن الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، والتوراة التي أنزلت على موسى صلى الله عليه وسلم ، والإنجيل الذي أنزل على عيسى صلى الله عليه وسلم، والزَّبـُور الذي أوتيه داود صلى الله عليه وسلم ، وأما ما لم نعلم اسمه ؛ فنؤمن به إجمالاً .
الثالث : تصديق ما صحَّ من أخبارها ، كأخبار القرآن ، وأخبار ما لم يبدل أو يحرف من الكتب السابقة .
الرابع : العمل بأحكام ما لم ينسخ منها ، والرضا و التسليم به سواء أفهمنا حكمته أم لم نفهمها ، وجميع الكتب السابقة منسوخة بالقرآن العظيم قال الله تعالى : (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بـِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ) [سورة المائدة : 48] أي ( حاكمـًا عليه ).
وعلى هذا ، فلا يجوز العمل بأي حكم من أحكام الكتب السابقة إلا ما صحَّ منها ، وأقرَّه القرآن .


والإيمان بالكتب يثمر ثمراتٍ جليلةً منها :


الأولى : العلم بعناية الله - تعالى - بعباده ، حيث أنزل لكل قوم كتابـًا ، يهديهم به .

الثانية : العلم بحكمة الله تعالى في شرعه ، حيث شرَّع لكل قوم ما يناسب أحوالهم ، كما قال الله تعالى : ( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) [سورة المائدة : 48] .

الثالثة : شكر نعمة الله في ذلك .



الإيمان بالرسل


الرسل : جمع (رسول) بمعنى : (مُرسَل) أي مبعوث بإبلاغ شيء .
والمراد هنا : من أوحي إليه من البشر بشرع وأُمر بتبليغه .
وأول الرسل نوح - عليه السلام - وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى : (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبـِـيِّـيـنَ مِن بَعْدِهِ) [سورة النساء : 163] .
وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك t في حديث الشَّفاعة أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( ذكر أن الناس يأتون إلى آدم ؛ ليشفع لهم ، فيعتذر إليهم ويقول : ائتوا نوحـًا أول رسولٍ بعثه الله ) وذكر تمامَ الحديث (1) .
وقال الله تعالى في محمد صلى الله عليه وسلم : (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبيِّينَ) [سورة الأحزاب ] .

ولم تخلُ أمةٌ من رسول ، يبعثه الله تعالى بشريعة مستقلة إلى قومه ، أو نبي يوحى إليه بشريعة من قبله ؛ ليجـددهـا ، قـال الله تعـالى : ( وَلَقَدْ بَعَثْنَـا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ) [سورة النحل : 36]
وقال تعالى : ( وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلا خلا فِيهَا نَذِيرٌ) [سورة فاطر : 36] .
وقال تعالى : (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بـِهَا النَّبـِـيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُـواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ) [سورة المائدة : 44].
والرسل بشر مخلوقون ، ليس لهم من خصائص الربوبية والألوهية شيء ، قال الله تعالى عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وهو سيد الرسل ، وأعظمهم جاهـًا عند الله : (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نـَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ
مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنـَاْ إِلاَّ نـَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [سورة الأعراف : 188].
وقال تعالى : (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا * قُلْ إِنِّي لَن يُجـِـيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجـِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا) [سورة الجن : 21 ، 22] .
وتلحقهم خصائص البشرية : من المرض ، والموت ، والحاجة إلى الطعام ، و الشراب ، وغير ذلك ، قال الله تعالى عن إبراهيم - عليه الصلاة و السلام - في وصفه لربه تعالى : ( وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذا مَرِضْـتُ فَهُوَ يَشْفِيـنِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثـُمَّ يُحْيِينِ) [سورة الشعراء : 79 ، 81] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما أنا بشرٌ مثلكم أنسى كما تنسون ؛ فإذا نسيت ؛ فذكِّروني) (2) .
وقد وصفهم الله تعالى بالعبودية له في أعلى مقاماتهم ، وفي سياق الثَّناء عليهم ؛ فقال تعالى في نوح صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) [سورة الإسراء : 3] وقال في محمد صلى الله عليه وسلم : (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) [سورة الفرقان : 1] .
وقال في إبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب - صلَّى الله عليهم وسلَّم - : (وَاذكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأيْدِي وَالأبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بـِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأخْيَارِ) [سورة ص : 45 ، 47] .
وقال في عيسـى ابن مريـم صلى الله عليه وسلم : (إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَــا عَلَيْـــهِ وَجَعَلْنَـاهُ مَثَـلاً لِّبَنِـي إِسْرَائِيــلَ ) [سورة الزخرف : 59] .


والإيمان بالرسل يتضمن أربعة أمور :


الأول : الإيمان بأن رسالتهـم حق من الله تعـالى ، فمن كفر برسالة واحد منهم ؛ فقد كفر بالجميع ، كما قال الله تعالى : (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) [سورة الشعراء : 105] ، فجعلهم الله مكذبين لجميع الرسل ، مع أنه لم يكن رسول غيره حين كذَّبوه ، وعلى هذا فالنصارى الذين كذَّبوا محمدًا صلى الله عليه وسلم ولم يتبعوه ؛ هم مكذِّبون للمسيح ابن مريم ، غير متبعين له أيضـًا ، لا سيَّما أنه قد بشرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ولا معنى لبشارتهم به إلا أنه رسول إليهم ، ينقذُهم الله به من الضَّلالة ، ويهديهم إلى صراط مستقيم .
الثاني مما يتضمنه الإيمان بالرسل : الإيمان بمن علمنا اسمه منهم باسمه مثل : محمد ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ونوح - عليهم الصلاة والسلام - وهؤلاء الخمسة هم أولو العزم من الرسل ، وقد ذكرهم الله -تعالى - في موضعين من القرآن في قوله : (وَإِذ أَخَذْنـَا مِنَ النَّبيِّينَ مِيثـَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) [سورة الأحزاب : 7] ، وقوله :
( شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بـِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بـِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [سورة الشورى : 13] .
وأما من لم نعلم اسمه منهم ؛ فنؤمن به إجمالاً ، قال الله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَــا عَلَيْـــكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْـكَ) [سورة غافر : 78] .
الثالث مما يتضمنه الإيمان بالرسل : تصديق ما صحَّ عنهم من أخبارهم .
الرابع : العمل بشريعة من أرسل إلينا منهم ، وهو خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم المرسل إلى جميع الناس ، قال الله تعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجـِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمـًا ) [سورة النساء : 65] .



وللإيمان بالرسل ثمراتٌ جليلة منها :


الأولى : العلم برحمة الله تعالى ، وعنايته بعباده، حيث أرسل إليهم الرسل ؛ ليهدوهم إلى صراط الله تعالى ، ويبينوا لهم كيف يعبدون الله ؛ لأنّ العقل البشري ، لا يستقل بمعرفة ذلك .
الثانية : شكره تعالى على هذه النعمة الكبرى .
الثالثة : مَحبَّةُ الرسل - عليهم الصلاة و السلام - وتعظيمهم ، والثَّناء عليهم بما يليق بهم ؛ لأنهم رسل الله تعالى ، ولأنهم قاموا بعبادته ، وتبليغ رسالته ، والنُّصحِ لعباده .
وقد كذَّب المعاندون رسلهم زاعمين أن رسل الله تعالى لا يكونون من البشر ! وقد ذكر الله تعالى هذا الزعم ، وأبطله بقوله سبحانه : (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَرًا رَّسُولاً * قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَــا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَــاء مَلَكًا رَّسُولاً) [سورة الإسراء : 94 ، 95] .
فأبطل الله تعالى هذا الزعم بأنه لابد أن يكون الرسول بشرًا ؛ لأنه مرسـل إلى أهل الأرض ، وهم بشر ، ولو كان أهل الأرض ملائكة ؛ لنزَّل الله عليهم من السماء ملكـًا رسولاً ؛ ليكون مثلهم ، وهكذا حكى الله تعالى عن المكذبين للرسل أنهم قالوا : (إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بـِسُلْطَانٍ مُّبينٍ * قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بسُلْطَانٍ إِلاَّ بإِذنِ اللّهِ) [سورة إبراهيم : 10 ، 11].



(1) رواه البخاري ، كتاب الرقاق ، باب صفة الجنة و النار ، رقم (6197)

(2) رواه البخاري ، كتاب أبواب القبلة ، باب التوجه إلى القبلة حيث كان ، رقم (392) .


يتبع ...




 

رد مع اقتباس
قديم 04-25-2014   #4


الصورة الرمزية مفرح التليدي
مفرح التليدي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 948
 تاريخ التسجيل :  Jan 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (07:14 AM)
 المشاركات : 10,284 [ + ]
 التقييم :  28159
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: مدونة الدروس والفوائد الشرعيه






الإيمان باليوم الآخر


اليوم الآخر: يوم القيامة الذي يُبْعثُ الناس فيـه ؛ للحساب ، والجزاء .
وسمِّي بذلك ؛ لأنه لا يوم بعده ، حيث يستقرُ أهل الجنة في منازلهم ، وأهل النار في منازلهم .


والإيمان باليوم الآخر يتضمن ثلاثة أمور :


الأول : الإيمان بالبعث : وهو إحياء الموتى حين ينفخُ في الصور النفخة الثانية ؛ فيقوم الناس لرب العالمين ، حفاة غيرَ منتعلين ، عراة غيرَ مستترين ، غُرلاً غيرَ مختتنين ، قال الله تعالى : (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنـَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) [سورة الأنبياء : 104] .
والبعث : حقٌّ ثابت ، دلَّ عليه الكتابُ ، و السُّنَّةُ ، وإجماع المسلمين .
قال الله تعالى : (ثـُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثـُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ) [سورة المؤمنون : 15 ، 16] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً ) (1) .
وأجمع المسلمون على ثبوته ، وهو مقتضى الحكمة ، حيث تقتضي أن يجعل الله تعالى لهذه الخليقة معادًا ، يجازيهم فيه على ما شرعه لهم فيما بعث به رسله ، قال الله تعالى : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ) [سورة المؤمنون : 115] وقال لنبـِـيـِّه صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ الَّــذِي فَــرَضَ عَلَيْــكَ الْقُـرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ) [سورة القصص : 85] .
الثاني مما يتضمنه الإيمان باليوم الآخر : الإيمان بالحساب والجزاء : يحاسَبُ العبد على عمله ، ويجازى عليه ، وقد دلَّ على ذلك الكتاب ، والسنة ، وإجماع المسلمين .
قال الله تعالى : (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثـُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا
حِسَابَهُمْ) [سورة الغاشية : 25 ، 26] وقال تعالى : (مَن جَاء بـِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بـِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) [سورة الأنعام : 160] وقال تعالى : (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بـِهَا وَكَفَى بـِنَا حَاسبـِـينَ) [ سورة الأنبياء : 47] .
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ) إن الله يدني المؤمن ؛ فيضع عليه كنفه - أي ستره - ويسترهُ ، فيقـول : أتعـرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ فيقول : نعم ، أي رب ، حتى إذا قـَرَّرَهُ بذنوبه ، ورأى أنه قد هلك ؛ قال :
قد سترتها عليك في الدنيا ، وأنا أغفـرها لـك اليوم ؛ فيعطى كتاب حسناته ، وأما الكفار والمنافقون ؛ فينادى بهم على رؤوس الخلائق : هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ، ألا لعنةُ الله على الظالمين) (2) .
وصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أن من همَّ بحسنة فعملها ؛ كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، وأن من همَّ بسيئة فعملها ؛ كتبها الله سيئة واحدة ) (3) .
وقد أجمع المسلمون على إثبات الحساب والجزاء على الأعمال ، وهو مقتضى الحكمة ؛ فإن الله تعالى أنزل الكتب ، وأرسل الرسل ، وفرض على العباد قبول ما جاءوا به ، و العمل بما يجب العمل به منه ، وأوجب قتال المعارضين له وأحلَّ دماءهم ، وذرِّيَّاتهم ، ونساءهم ، وأموالهم ، فلو لم يكن حساب ولا جزاء ؛ لكان هذا من العبث الذي ينزهُ الرب الحكيم عنه ، وقد أشار الله تعالى إلى ذلك بقوله : (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ * فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بـِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئبينَ ) [سورة الأعراف : 6 ، 7] .
الثالث مما يتضمنه الإيمان باليوم الآخر : الإيمان بالجنة والنار وأنهما المآل الأبدي للخلق .
فالجنة دار النعيم التي أعدها الله تعالى للمؤمنين
المتقين ، الذين آمنوا بما أوجب الله عليهم الإيمان به ، وقاموا بطاعة الله ورسوله ، مخلصين لله ، مُتَّبـِعِـين لرسوله ، فيها من أنواع النعيم )ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر) (4) قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ) [سورة البينة : 7 ، 8] وقال تعالى: (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بـِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [سورة السجدة : 17] .
وأما النار : فهي دار العذاب التي أعدَّها الله تعالى للكافرين الظالمين ، الذين كفروا به وعصوا رسله ، فيها من أنواع العذاب ، والنـَّـكال ما لا يخطر على البال قال الله تعالى : (وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) [سورة آل عمران : 131] ، وقال تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بـِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بـِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بـِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا) [سورة الكهف: 29] ، وقال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لاَّ يَجـِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا) [سورة الأحزاب : 64، 66] .



وللإيمان باليوم الآخر ثمراتٌ جليلة منها :


الأولى : الرغبة في فعل الطاعة ، والحرص عليها ؛ رجاء لثواب ذلك اليوم .
الثانية : الرهبة من فعل المعصية ، ومـن الرضـى بها ؛ خوفـًا من عقاب ذلك اليوم .
الثالثة : تسلية المؤمن عمَّا يفوته من الدنيا بما يرجوه من نعيم الآخرة ، وثوابها .



وقد أنكر الكافرون البعث بعد الموت ؛ زاعمين أن ذلك غير ممكن .
وهذا الزعم باطل ، دلَّ على بطلانه الشرع ، والحس ، و العقل .
أما الشرع : فقد قال الله تعالى : ( زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثـُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بـِمَا عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) [سورة التغابن : 7] . وقد اتفقت جميع الكتب السماوية عليه .
وأما الحس : فقد أرى الله عباده إحياء الموتى في هذه الدنيا ، وفي سورة البقرة ، خمسة أمثلة على ذلك ، هي :
المثال الأول : قوم موسى حين قالوا له : (لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً ) [سورة البقرة : 55] فأماتهم الله تعالى ، ثم أحياهم وفي ذلك يقول الله تعالى مخاطبـًا بني إسرائيل : ( وَإِذ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ *ثـُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [سورة البقرة : 55 ، 56] .
المثال الثاني : في قصة القتيل الذي اختصم فيه بنو إسرائيل ، فأمرهم الله تعالى أن يذبحوا بقرة فيضربوه ببعضها ؛ ليخبرهم بمن قتله ، وفي ذلك يقول الله تعالى : (وَإِذ قَتَلْتُمْ نَفْسـًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ ببَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيي اللّهُ الْمَـوْتَى وَيُرِيكُـمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [سورة البقرة : 72، 73]
المثال الثالث : في قصة القوم الذين خرجوا من ديارهم فرارًا من الموت وهم ألوف ؛ فأماتهم الله تعالى، ثم أحياهم وفي ذلك يقول الله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثـُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَيَشْكُرُونَ ) [سورة البقرة : 243].
المثال الرابع : في قصة الذي مرَّ على قرية مـَيـِّتةٍ ، فاستبعد أن يحييها الله تعالى ؛ فأماته الله تعالى مائة سنة ، ثم أحياه ، وفي ذلك يقول الله تعالى : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هََذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثـُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبثْتَ قَالَ لَبثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ ننشِزُهَا ثـُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [ سورة البقرة : 259].
المثال الخامس : في قصة إبراهيم الخليل ، حين سأل الله تعالى أن يريه كيف يحيي الموتى ؛ فأمره الله تعالى أن يذبح أربعة من الطير ، ويفرقهن أجزاء على الجبال التي حوله ، ثم يناديهن ؛ فتلتئم الأجزاء بعضها إلى بعض ، ويأتين إلى إبراهيم سعيـًا ، وفي ذلك يقول الله تعالى : ( وَإِذ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثـُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثـُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَـكِيمٌ) [سورة البقرة : 260].
فهذه أمثلة حسِّيَّة واقعة ، تدل على إمكان إحياء الموتى ، وقد سبقت الإشارة إلى ما جعله الله تعالى من آيات عيسى بن مريم في إحياء الموتى ، وإخراجهم من قبورهم - بإذن الله تعالى - .
وأما دلالة العقل : فمن وجهين :
أحدهما : أن الله تعالى فاطر السموات ، والأرض ، وما فيهما ، خالقهما ابتداء ، والقادر على ابتداء الخلق، لا يعجز عن إعادته ، قال الله تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثـُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [سورة الروم : 27] . وقال تعالى : ( كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) [سورة الأنبياء : 104]. وقال آمرًا بالرد على من أنكر إحياء العظام وهي رميمقُلْ يُحْييهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) [سورة يس : 79] .
الثاني : أن الأرض تكون ميتة هامدة ، ليس فيها شجرة خضـراء ؛ فينزل عليها المطر ؛ فتهتز خضراءَ حيـَّةً ، فيها من كل زوج بهيج ، والقادر على إحيائها بعد موتها ، قادر على إحياء الأموات، قال الله تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأرْضَ خَاشِعَةً فَإِذا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [سورة فصلت : 39] ، وقال تعالى : (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكـًا فَأَنبَتْنَا بـِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ * رِزْقًا لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بـِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ) [سورة ق : 9 ، 11]



ويلتحق بالإيمان باليوم الآخر :


الإيمان بكل ما يكون بعد الموت مثل :
(أ) فتنـة القبر : وهي سؤال الميـت بعد دفنـه عن ربه ، ودينه ، ونبيه ؛ فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ، فيقول : ربي الله ، وديني الإسلام ، ونبيِّي محمد صلى الله عليه وسلم ، ويضلُ الله الظالمين فيقول الكافر : هـاه ، هاه ، لا أدري ، ويقـول المنافق أو المرتاب (5) : لا أدري سمعت النـاس يقولون شيئـًا فقلته .
(ب) عذاب القبر ونعيمه : فيكون للظالمين من المنافقين والكافرين ، قال الله تعالى : ( وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بـِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبـِرُونَ) [سورة الأنعام : 93].
وقال تعالى في آل فرعون : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) [سورة غافر : 46] .
وفي صحيح مسلم من حديث زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( فلولا أن لا تدافنوا ؛ لدعوتُ الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه ، ثم أقبل بوجهه ؛ فقال: تعوَّذوا بالله من عذاب النار ) قالوا : نعوذ بالله من عذاب النار ، فقال : (تعوَّذوا بالله من عذاب القبر) ، قالوا : نعوذ بالله من عذاب القبر ، قال: ( تعوَّذوا بالله من الفتن ، ما ظهر منها ، وما بطن ) ، قالوا : نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، قال: ( تعوَّذوا بالله من فتنة الدجال ) قالوا : نعوذ بالله من فتنة الدجال (6) .
وأما نعيم القبر ؛ فللمؤمنين الصادقين قال الله تعـالى : (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثـمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بـِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) [سورة فصلت : 30]
وقال تعالى : ( فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لا تُبْصِرُونَ* فَلَوْلا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) [سورة الواقعة: 83 ، 89] .
وعن البراء بن عازب t أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المؤمن إذا أجاب الملكين في قبره : ( ينادي منادٍ من السماء : أن صدق عبدي ، فأفرشوه من الجنة ، وألبسوه من الجنة ، وافتحوا له بابـًا إلى الجنة ، قال: فيأتيه من رَوحها وطِـيبها ، ويفسحُ له
في قبره مدَّ بصره ) (7) .



وقد ضلَّ قوم من أهل الزَّيغ فأنكروا عذاب القبر ، ونعيمه ، زاعمين أن ذلك غير ممكن لمخالفته الواقع ، قالوا : فإنه لو كشف عن الميِّت في قبره ؛ لوجد كما كان عليه ، والقبر لم يتغير بـِسِعَةٍ ، ولا ضِـيق .
وهذا الزعم باطل ؛ بالشرع ، والحس ، و العقل :
أما الشرع : فقد سبقت النصوص الدالة على ثبوت عذاب القبر ، ونعيمه .
وفي صحيح البخاري - من حديث - ابن عباس t قال : ( خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بعض حيطان المدينة ؛ فسمع صوت إنسانين يُعَذبَانِ في قبورهما) وذكر الحديث ، وفيه : ) أن أحدهما كان لا يستتر من البول ) وفي رواية : (من بوله) ، وأن الآخر كان يمشي بالنميمة ) وفي رواية لمسلم : ( لا يستنزه من البول )(8) .
وأما الحس : فإن النائم يرى في منامه أنه كان في مكان فسيح بهيج ، يتنعم فيه ، أو أنه كان في مكان ضيق موحش ، يتألم منه ، وربما يستيقظ أحيانـًا مما رأى، ومع ذلك فهو على فراشه في حجرته على ما هو عليه ، والنوم أخو الموت ، ولهذا سماه الله تعالى : (وفاة) قال الله تعالى : (اللَّهُ يَتَوَفَّى الأنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) [سورة الزمر : 42] .
وأما العقل : فإن النائم في منامه يرى الرؤيا الحق المطابقة للواقع ، وربما رأى النبي صلى الله عليه وسلم على صفته ، ومن رآه على صفته ؛ فقد رآه حقًّا ، ومع ذلك ، فالنائم في حجرته على فراشه بعيدٌ عما رأى ، فإذا كان هذا ممكنـًا في أحوال الدنيا ؛ أفلا يكون ممكنـًا في أحوال الآخرة ؟!
وأما اعتمادهم فيما زعموه على أنه لو كشف عن الميِّت في قبره ؛ لوجد كما كان عليه ، والقبر لم يتغير بسعة ولا ضيق ؛ فجوابه من وجوه منها :
الأول: أنه لا تجوز معارضة ما جاء به الشرع ، بمثل هذه الشبهات الداحضة التي لو تأمَّل المعارض بها ما جاء به الشرع حقَّ التأمل ؛ لعلم بطلان هذه الشبهات ، وقد قيل :
وكم من عائبٍ قولاً صحيحـًا وآفته من الفَهمِ السقيمِ
الثاني : أن أحوال البرزخ من أمور الغيب التي لا يدركها الحسُّ ، ولو كانت تدرك بالحس ؛ لفاتت فائدة الإيمان بالغيب ، ولتساوى المؤمنون بالغيب ، و الجاحدون في التصديق بها .
الثالث: أن العذاب ، والنعيم ، وسعة القبر ، وضيقه ؛ إنما يدركها الميِّتُ دون غيره ، وهذا كما يرى النائم في منامه أنه في مكان ضيِّق موحش ، أو في مكان واسع بهيج ، والذي حوله لا يرى ذلك ولا يشعر به ، ولقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يوحى إليه ، وهو بين أصحابه ؛ فيسمعُ الوحي ، ولا يسمعهُ الصحابة ، وربما يتمثَّل له الملك رجلاً فيكلِّمه ، والصحابة لا يرونَ الملك ، ولا يسمعونه .
الرابع : أن إدراك الخلق محدود بما مكنهم الله تعالى من إدراكه ، ولا يمكن أن يدركوا كل موجـود ، فالسموات السَّبع ، والأرض ، ومن فيهن ، وكل شـيء يسبحُ بحمد الله تسبيحـًا حقيقيـًّا ، يُسمعه الله تعالى من شاء من خلقه أحيانـًا ، ومع ذلك هو محجوب عنا ، وفي ذلك يقول الله تعالى : (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمواتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بـِحَمْـدِهِ وَلَكِـن لاَّ تَفْقَهُـونَ تَسْبيحَهُمْ) [سورة الإسـراء : 44] ، وهكذا الشياطين ، والجن يسعون في الأرض ذهابـًا وإيابـًا ، وقد حضرت الجن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستمعوا لقراءته ، وأنصتُوا ، وولَّوا إلى قومهم منذرين، ومع هذا ؛ فهم محجوبون عنا ، وفي ذلك يقول الله تعالى : (يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ)[سورة الأعراف:27] ، وإذا كان الخلق لا يدركون كل موجود ؛ فإنه لا يجوز أن ينكروا ما ثبت من أمور الغيب ، ولم يدركوه .


(1) متفق عليه ، واللفظ لمسلم ، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها ، باب فناء الدنيا ، رقم: ( 7127) .

(2) رواه البخاري ، كتاب المظالم ، باب قول الله تعالى ألا لعنة الله على الظالمين ، رقم : (2309) .

(3) رواه البخاري ، كتاب الرقاق ، باب من هم بحسنة أو سيئة ، رقم : (6126) ورواه مسلم ، كتاب الإيمان ، باب إذا هم العبد بحسنة كتبت وإذا هم بسيئة لم تكتب ، رقم: (335) .

(4) رواه البخاري ، كتاب بدء الخلق ، باب ما جاء في وصف الجنة وأنها مخلوقة، رقم : (3072) .

(5) (أو) للشك من الراوي كما في الصحيحين .

(6) رواه مسلم ، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها ، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه ، و إثبات عذاب القبر ، و التعوذ منه ، رقم ( 7142) .

(7) رواه أحمد ، كتاب حديث البراء بن عازب ، رقم : (18063)، وأبو داود ، كتـاب أول كتـاب السنــة ، باب المسألـة في القبر وعـذاب القبـر ، رقـم : ( 4753) .

(8) رواه البخاري ، كتاب الأدب ، باب النميمة من الكبائر ، رقم (5708) ، ورواه مسلم، كتاب الطهارة ، باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه ، رقم (676) .الإيمان بالقدر


يتبع ...




 

رد مع اقتباس
قديم 04-25-2014   #5


الصورة الرمزية مفرح التليدي
مفرح التليدي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 948
 تاريخ التسجيل :  Jan 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (07:14 AM)
 المشاركات : 10,284 [ + ]
 التقييم :  28159
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: مدونة الدروس والفوائد الشرعيه







الايمان بالقدر



القَدَر (بفتح الدال) : تقدير الله تعالى للكائنات ، حسبما سبق به علمه ، واقتضتهُ حكمته .


والإيمان بالقدر يتضمَّنُ أربعة أمور :


الأول : الإيمان بأن الله تعالى عالمٌ بكل شيء ، جملةً وتفصيلاً ، أزلاً وأبدًا ، سواء كان ذلك مما يتعلق بأفعالـه ، أو بأفعال عباده .

الثاني : الإيمان بأن الله تعالى كتب ذلك في اللوح المحفوظ ، وفي هذين الأمرين يقول الله تعالى: ( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالأرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) [سورة الحج : 70] .

وفي صحيح مسلم - عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (كتب الله مقادير الخلائقِ قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ) (1) .

الثالث : الإيمان بأن جميع الكائنات لا تكون إلا بمشيئة الله تعالى ، سواء أكانت مما يتعلق بفعله، أم مما يتعلق بفعل المخلوقين ، قال الله تعالى فيما يتعلقُ بفعله: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ ) [سورة القصص : 68] ، وقـال : ( وَيَفْعَـلُ اللّهُ مَا يَشَاء) [سـورة إبراهيم : 27] وقـال : ( هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء) [ســورة آل عمران : 6] وقـال تعـالى فيما يتعلـق بفعل المخلوقين : ( وَلَوْ شَاء اللّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ) [ســورة النساء : 90] ، وقال : (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) [سورة الأنعام : 112] .

الرابع : الإيمان بأن جميع الكائنات مخلوقة لله تعالى بذواتهـا ، وصفاتهـا ، وحـركاتها ، قــال الله تعـالى : ( اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) [سورة الزمر:62] ، وقال سبحانه : ( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) [سورة الفرقان : 2] ، وقال عن نبيِّه إبراهيم - عليه الصلاة و السلام - أنه قال لقومـه : (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) [سورة الصافات: 96] .

والإيمان بالقدر - على ما وصفنا - لا ينافي أن يكون للعبد مشيئة في أفعاله الاختيارية ، وقدرة عليها ؛ لأن الشرع والواقع دالان على إثبات ذلك له .

أما الشرع : فقـد قـال الله تعـالى في المشيئـة : (فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبـًا) [سورة النبأ : 39] ، وقـال: ( فَأْتُواْ حَرْثـَـكُمْ أَنَّـى شِئْتُمْ) [ ســورة البقـرة : 223] ، وقال في القدرة : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا ) [سورة التغابن : 16] ، وقال : (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) [سورة البقرة : 286] .

وأما الواقع : فإن كل إنسان يعلم أن له مشيئة

وقدرة ، بهما يفعل ، وبهما يترك ، ويفرق بين ما يقع بإرادته كالمشي، وما يقع بغير إرادته كالارتعاش ، لكنَّ مشيئة العبد ، وقدرته واقعتان بمشيئة الله تعالى ، وقدرته لقول الله تعالى : (لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَــاؤُونَ إِلاّ أَن يَشَـاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِيـنَ) [سـورة التكوير : 28 ، 29] ، ولأن الكون كله ملك لله تعالى ؛ فلا يكون في ملكه شيء بدون علمه ومشيئته .


والإيمان بالقدر - على ما وصفنا - لا يمنح العبد حجـة على ما ترك من الواجبـات ، أو فعل من المعاصي ، وعلى هذا ؛ فاحتجاجه به باطل من وجوه :

الأول : قوله تعالى : (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبـِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ) [سورة الأنعام : 148] ، ولو كان لهم حجة بالقدر ؛ ما أذاقهم الله بأسه .

الثاني : قوله تعالى : (رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) [سورة النساء : 165] ، ولو كان القدر حجة للمخالفين ؛ لم تنتفِ بإرسال الرسل ؛ لأن المخالفة بعد إرسالهم واقعة بقدر الله تعالى .

الثالث : ما رواه البخاري ومسلم - واللفظ

للبخاري - عن علي بن أبي طالب t أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما منكم من أحد إلا قد كتب مقعده من النار أو من الجنة) فقال رجل من القوم : ألا نـَتـَّـكِلُ يا رسول الله ؟ قال : (لا ، اعملوا فكل مُيَسَّرٌ ، ثم قرأ: ( فَأمَا مَنْ أَعطَى واتَّقَى)) [سورة الليل : 5] ، وفي لفظ لمسلم : ( فكل مُيَسَّرٌ لما خلق له) (2)0 ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالعمل ، ونهى عن الاتكال على القدر .

الرابع : أن الله تعالى أمر العبد ونهاه ، ولم يكلفه إلا ما يستطيع ، قال الله تعالى : (فَاتَّقُوا اللَّهَ

مَا اسْتَطَعْتُمْ) [سورة التغابن : 16] وقال : (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) [سورة البقرة : 286] ، ولو كان العبد مجبرًا على الفعل ؛ لكان مكلَّفـًا بما لا يستطيع الخلاص منه ، وهذا باطل ؛ ولذلك إذا وقعت منه المعصية بجهل ، أو نسيان ، أو إكراه ؛ فلا إثم عليه ؛ لأنه معذور .

الخامس : أن قدر الله تعالى سرٌّ مكتومٌ لا يُعْلَمُ به إلا بعد وقوع المقدور ، وإرادة العبد لما يفعله سابقة على فعله ؛ فتكون إرادته الفعل غير مبنيَّةٍ على علم منه بقدر الله ، وحينئذ تنتفي حجته بالقدر ؛ إذ لا حجة للمرء فيما لا يعلمه .

السادس : أننا نرى الإنسان يحرص على ما يلائمه من أمور دنياه ؛ حتى يدركه ، ولا يعدل عنه إلى ما لا يلائمه ، ثم يحتجُّ على عدوله بالقدر؛ فلماذا يعدل عما ينفعه في أمور دينه إلى ما يضره ثم يحتجُّ بالقدر ؟ أفليس شأن الأمرين واحدًا ؟!
وإليك مثالاً يوضح ذلك :
لو كان بين يدي الإنسان طريقان : أحدهما : ينتهي به إلى بلد كلها فوضى : قتل ، ونهب ، وانتهاك للأعراض ، وخوف ، وجوع .

والثاني : ينتهي به إلى بلد كلها نظام ، وأمن مستتب، وعيش رغيد ، واحترام للنفوس والأعراض و الأموال ، فأي الطريقين يسلك ؟

إنه سيسلك الطريق الثاني الذي ينتهي به إلى بلد النظام و الأمن ، و لا يمكن لأي عاقل أبدًا أن يسلك طريقَ بلدِ الفوضى ، والخوف ، ويحتجُّ بالقدر ، فلماذا يسلك في أمر الآخرة طريق النار دون الجنة ويحتجُّ بالقدر ؟

ومثالاً آخر : نرى المريض يؤمر بالدواء ؛ فيشربه ، ونفسه لا تشتهيه ، وينهى عن الطعام الذي يضرُّه ؛ فيتركه، ونفسه تشتهيه ، كل ذلك ؛ طلبـًا للشفاء والسلامة ، ولا يمكن أن يمتنع عن شرب الدواء ، أو يأكل الطعام الذي يضره ، ويحتجُّ بالقدر ، فلماذا يترك الإنسان ما أمر الله به ورسوله أو يفعلُ ما نهى الله عنه ورسوله ثم يحتجُّ بالقدر ؟

السابع : أن المحتجَّ بالقدر على ما تركه من

الواجبات ، أو فعله من المعاصي ، لو اعتدى عليه شخص فأخذ ماله ، أو انتهك حرمته ، ثم احتجَّ بالقدر، وقال : لا تلمني فإنَّ اعتدائي كان بقدر الله ؛ لم يقبل حجته ، فكيف لا يقبل الاحتجاج بالقدر في اعتداء غيره عليه ، ويحتج به لنفسه في اعتدائه على حق الله تعالى ؟!

ويُذْكَرُ أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب t رُفِعَ إليه سارقٌ استحق القطع ؛ فأمر بقطع يده فقال : مهلاً يا أمير المؤمنين ، فإنما سرقت بقدر الله؛ فقال عمر : ونحن إنما نقطعُ بقدر الله .



وللإيمان بالقدر ثمرات جليلة منها :


الأولى : الاعتماد على الله تعالى ، عند فعل
الأسباب ، بحيث لا يعتمدُ على السبب نفسه ؛ لأن كل شيء بقدر الله تعالى .
الثانية : أن لا يُعْجَب المرء بنفسه عند حصول مراده؛ لأن حصوله نعمة من الله تعالى ، بما قَدَّره من أسباب الخير ، والنجاح ، وإعجابه بنفسه ، ينسيه شكر هذه النعمة .
الثالثة : الطمأنينة ، والراحة النفسية بما يجزى عليه من أقدار الله تعالى ؛ فلا يقلقُ بفوات محبوب، أو حصول مكروه ؛ لأن ذلك بقدر الله الذي له ملك السموات والأرض ، وهو كائن لا محالة ، وفي ذلك يقول الله تعالى : (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) [سورة الحديد : 22 ، 23] ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( عجبـًا لأمر المؤمن إنّ أمره كلَّه خير ، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سرَّاءُ شكر ؛ فكان خيرًا له ، وإن أصابته ضرَّاءُ صبر ؛ فكان خيرًا له ) (3) .


وقد ضلَّ في القدر طائفتان :


إحداهما : الجبرية الذين قالوا إنَّ العبد مجبر
على عمله ، وليس له فيه إرادة ولا قدرة .
الثانية : القدرية الذين قالوا : إنَّ العبد مستقل بعلمه في الإرادة ، والقدرة ، وليس لمشيئة الله تعالى، وقدرته فيه أثر .
والرد على الطائفة الأولى (الجبرية) بالشرع والواقع:

أما الشرع : فإن الله تعالى أثبت للعبد إرادة ومشيئة، وأضاف العمل إليه ، قال الله تعالى : (مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ) [سورة آل عمران : 152] وقال تعالى : (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بـِهِمْ سُرَادِقُهَا) [سورة الكهف : 29] وقال تعالى : (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبـِـيدِ) [سورة فصلت : 46] .

وأما الواقع : فإن كل إنسان يعلمُ الفرق بين أفعاله الاختيارية التي يفعلها بإرادته : كالأكل ، والشرب ، والبيع، والشراء ، وبين ما يقعُ عليه بغير إرادته : كالارتعاش من الحمى ، والسقوط من السطح ، فهو في الأول فاعل مختار بإرادته من غير جبر ، وفي الثاني غير مختار ، ولا مريد لما وقع عليه .

والرد على الطائفة الثانية (القدرية) بالشرع والعقـل :

أما الشرع : فإن الله تعالى خالق كل شيء ، وكل شيء كائن بمشيئته ، وقد بـَيـّنَ الله تعالى في كتابه أن أفعال العباد تقع بمشيئته فقال تعالى : (وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَـا اقْتَتَلُــواْ وَلَكِـنَّ اللّهَ يَفْعَـلُ مَـا يُرِيدُ) [سورة البقـرة :253] ، وقال تعالى : (وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) [سورة السجدة : 13] .

وأما العقل : فإن الكون كُلَّه مملوكٌ لله تعالى ، والإنسان من هذا الكون ؛ فهو مملوك لله تعالى ، ولا يمكن للمملوك أن يتصرف في ملك المالك إلا بإذنه ومشيئته .



(1) رواه مسلم ، كتاب القدر ، باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام ، رقم (6690) .

(2) رواه البخاري ، كتاب التفسير ، باب فسنيسره لليسرى رقم : (4663) ، ورواه مسلم ، كتاب القدر ، باب كيفية خلق الآدمي وكتابة أجله ، رقم : (6675) .

(3) رواه مسلم ، كتاب الزهد والرقائق ، باب المؤمن أمره كله خير ، رقم (7425) .






 

رد مع اقتباس
قديم 04-26-2014   #6


الصورة الرمزية مفرح التليدي
مفرح التليدي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 948
 تاريخ التسجيل :  Jan 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (07:14 AM)
 المشاركات : 10,284 [ + ]
 التقييم :  28159
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: مدونة الخطب والدروس والفوائد الشرعيه






كتاب العقيدة الواسطية


مقدمة:

الحمد لله الَّذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا.
وأَشْهَدُ أَلَّا إلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ إِقْرَارًا بِهِ وَتَوْحِيدًا.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تسليمًا مَزِيدًا.
أَمَّا بَعْدُ؛ فَهَذَا اعْتِقَادُ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ الْمَنْصُورَةِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ- أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ- وَهُوَ الإِيمانُ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، والإِيمَانِ بِالْقَدَرِ خِيْرِهِ وَشَرِّهِ.
.من الإيمان بالله الإيمانُ بما وصف به نفسه في كتابه العزيز:

الإِيمَانُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتِابِهِ الْعَزِيزِ، وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم؛ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلٍ، وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلٍ.
بَلْ يُؤْمِنُونَ بِأَنَّ اللهَ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}.
فَلَا يَنْفُونَ عَنْهُ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، وَلَا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ، وَلَا يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَاءِ اللهِ وآيَاتِهِ، وَلَا يُكَيِّفُونَ وَلَا يُمَثِّلُونَ صِفَاتِهِ بِصِفَاتِ خَلْقِهِ؛ لأَنَّهُ سُبْحَانَهُ: لَا سَمِيَّ لَهُ، وَلَا كُفْءَ لَهُ، وَلَا نِدَّ لهُ.
ولَا يُقَاسُ بِخَلْقِهِ سُبْحَانَهَ وَتَعَالَى.
فَإنَّهُ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ، وَأَصْدَقُ قِيلاً، وَأَحْسَنُ حَدِيثًا مِنْ خَلْقِهِ. ثُمَّ رُسُلُه صَادِقُونَ مُصَدَّقُون؛ بِخِلَافِ الَّذِينَ يَقُولُونَ عَلَيْهِ مَا لَا يَعْلَمُونَ.
وَلِهَذَا قَالَ: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. فَسَبَّحَ نَفْسَهُ عَمَّا وَصَفَهُ بِهِ الْمُخَالِفُونَ لِلرُّسُلِ، وَسَلَّمَ عَلَى الْمُرْسَلِينَ؛ لِسَلَامَةِ مَا قَالُوهُ مِنَ النَّقْصِ وَالْعَيْبِ.
وَهُوَ سُبْحَانَهُ قَدْ جَمَعَ فِيما وَصَفَ وَسَمَّى بِهِ نَفْسَهُ بينَ النَّفْيِ وَالإِثْبَاتِ.
فَلَا عُدُولَ لأَهْلِ السُّنَّةٌ وَالْجَمَاعَةِ عَمَّا جَاءَ بِهِ الْمُرْسَلُونَ؛ فَإِنَّهُ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، صِرَاطُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ والصَالِحِينَ.
وَقَدْ دَخَلَ فِي هِذِهِ الْجُمْلَةِ مَا وَصَفَ اللهُ بِهِ نَفْسَهُ فِي سُورَةِ الإِخْلَاصِ الَّتِي تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، حَيثُ يَقُولُ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَد * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَد * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ}.
وَمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي أَعْظَمِ آيَةٍ فِي كِتِابِهِ؛ حَيْثُ يَقُولُ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}.
وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.
وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ}.
وَقَوْلُهُ: {وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}، {وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِير يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا}، {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِين}.
وَقَوْلُهُ: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِه}.
وَقَوْلُهُ: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}.
وَقَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}.
وَقَوْلُهُ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}.
وَقَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}
وَقَوْلُهُ: {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ}.
وَقَوْلُهُ: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ}.
وَقَوْلُهُ: {أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ}.
وَقَوْلُهُ: {فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء}.
وَقَوْلُهُ: {وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، {وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}، {فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}، {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}.
وَقَوْلُهُ: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}.
وَقَوْلُهُ: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}.
وَقَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ}.
وَقَوْلُهُ: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ}.
وَقَوْلُهُ: {بسم الله الرحمن الرحيم}، {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا}، {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}، {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء} {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}، {وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}، {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}.
قَوْلُهُ: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}، {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ}.
وَقَولُهُ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ}، {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ}.
وَقَوْلُهُ: {وَلَكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ}.
وَقَوْلُهُ: {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ}.
وَقَولُهُ: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ}، {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ}، {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}، {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلاً}.
وَقَوْلُهُ: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ}، {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}.
وَقَوْلُهُ: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}، {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء}.
وَقَولُهُ: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا}، {وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ}، {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي}.
وَقَوْلُهُ: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}.
وَقَوْلُهُ: {لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء}.
وَقَوْلُهُ: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ}، {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى}، {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى}، {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}، {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}.
وَقَوْلُهُ: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَال}.
وَقَوْلُهُ: {وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.
وَقَوْلُهُ: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}.
وَقَوْلُهُ: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا}.
وَقَوْلُهُ: {إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا}، {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
وَقَوْلُهُ: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}.
وَقَوْلُهُ عَنْ إِبْلِيسَ: {فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}.
وَقَوْلُهُ: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ}.
وَقَوْلُهُ: {فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}، {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ}.
وَقَوْلُهُ: {فَلَا تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}، {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ}.
وَقَوْلُهُ: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا}، {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
وَقَوْلُهُ: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}.
وَقَوْلُهُ: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}، {فَلَا تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}.
وَقَوْلُهُ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} فِي سَبْعَةِ مَوَاضِعَ: فِي سُورَةِ الأَعْرَافِ قَوْلُهُ: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} وَقَالَ فِي سُورَةِ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش ِ} وَقَالَ فَي سُورَةِ الرَّعْدِ: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} وَقَالَ فِي سُورَةِ طَهَ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وَقَالَ فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} وَقَالَ فِي سُورَةِ الم السَّجْدَةِ: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} وَقَالَ فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}.
وَقَوْلُهُ: {يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ}، {بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْه}، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}، {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا}.
وَقَوْلُهُ: {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ}.
{هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.
وَقَوْلُهُ: {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}.
وَقَوْلُهُ: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى}، {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ}، {وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
وَقَوْلُهُ: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا}، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً}، {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ}، {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً}، {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}، {مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ}، {وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ}، {نَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا}.
وَقَوْلُهُ: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}، {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَة}.
وَقَوْلُه: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ}.
{وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ}، {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}، {يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ}، {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ}.
وَقَوْلُهُ: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}، {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ}، {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}، {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ * وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ}.
وَقَوْلُهُ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}، {عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ}، {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}.
وَقَوْلُهُ: {لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}.
وَهَذَا الْبَابُ فِي كِتَابِ اللهِ كَثِيرٌ، مَنْ تَدَبَّرَ الْقُرْآنَ طَالِبًا لِلْهُدَى مِنْهُ؛ تَبَيَّنَ لَهُ طَرُيقُ الْحَقِّ.

يتبع ...



 

رد مع اقتباس
قديم 04-26-2014   #7


الصورة الرمزية مفرح التليدي
مفرح التليدي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 948
 تاريخ التسجيل :  Jan 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (07:14 AM)
 المشاركات : 10,284 [ + ]
 التقييم :  28159
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: مدونة الخطب والدروس والفوائد الشرعيه







فصل: من الإيمان بالله الإيمانُ بما وصفه به رسوله صلى الله عليه و سلم:


ثُمَّ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَالسُّنَّةُ تُفَسِّرُ الْقُرآنَ، وتُبَيِّنُهُ، وتَدُلُّ عَلَيْهِ، وتُعَبِّرُ عَنْهُ، وَمَا وَصَفَ الرَّسُولُ بِهِ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ الَّتِي تَلَقَّاهَا أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِالْقَبُولِ؛ وَجَبَ الإيمَانُ بِهَا كَذَلِكَ.
فَمِنْ ذَلِكَ: مِثْلُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «يَنْزِلُ رَبُّنَا إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرِ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهُ الْمُؤْمِنِ التَّائِبِ مِنْ أَحَدِكُمْ بِرَاحِلَتِهِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «يَضْحَكُ اللهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ؛ كِلاهُمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ: «عَجِبَ رَبُّنَا مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ وَقُرْبِ خَيْرِهِ، يَنْظُرُ إِلَيْكُمْ أَزَلينَ قَنِطِينَ، فَيَظَلُّ يَضْحَكُ يَعْلَمُ أَنَّ فَرَجَكُمْ قَرِيبٌ». حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «لا تَزَالُ جَهَنَّمُ يُلْقَى فِيهَا وَهِيَ تَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فِيهَا رِجْلَهُ- وَفِي رِوَايَةٍ: عَلَيْهَا قَدَمَهُ- فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ، فَتَقُولُ: قَط قَط». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ: «يَقُولُ تَعَالَى: يَا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ. فَيُنَادِي بِصَوتٍ: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِن ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إلَى النَّارِ». مُتَّفقٌ عَلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ».
وَقَوْلُهُ فِي رُقْيَةِ الْمَرِيضِ: «رَبَّنَا اللهَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ، تَقَدَّسَ اسْمُكَ، أَمْرُكَ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، كَمَا رَحْمَتُكَ فِي السَّمَاءِ اجْعَلْ رَحْمَتَكَ فِي الأَرْضِ، اغْفِرْ لَنَا حُوبَنَا وَخَطَايَانَا، أَنْتَ رَبُّ الطَّيِّبِينَ، أَنْزِلْ رَحْمَةً مِنْ رَحْمَتِكَ، وَشِفَاءً مِنْ شِفَائِكَ عَلَى هَذَا الْوَجِعِ؛ فَيَبْرَأَ». حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيرُهُ، وَقَوْلُهُ: «أَلَا تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ». حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَقَوْلُهُ: «وَالْعَرْشُ فَوْقَ الْمَاءِ، وَاللهُ فَوْقَ الْعَرْشِ، وَهُوَ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ». حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ، وَقَوْلُهُ لُلْجَارِيَةِ: «أَيْنَ اللهُ؟» قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ. قَالَ: «مَنْ أَنَا؟» قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللهِ. قَالَ: «أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَقَوْلُهُ: «أَفْضَلُ الإِيمَانِ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ اللهَ مَعَكَ حَيْثُمَا كُنْتَ». حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَقَوْلُهُ: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلاةِ؛ فَلَا يَبْصُقَنَّ قِبَلَ وَجْهِهِ، وَلَا عَنْ يَمِينِهِ؛ فَإِنَّ اللهَ قِبَلَ وَجْهِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «اللهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَالأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، مُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنَ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي وَمِنْ شَرِّ كُلِّ دَابَّةٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا، أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ؛ اقْضِ عَنِّي الدَّيْنَ وَأَغْنِنِي مِنَ الْفَقْرِ». رِوَايَةُ مُسْلِمٌ.
وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا رَفَعَ الصَّحَابَةُ أَصْوَاتَهُمْ بِالذِّكْرِ: «أَيُّهَا النَّاسُ، أرْبِعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ؛ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، إِنَّمَا تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا قَرِيبًا. إِنَّ الَّذي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَلَّا تُغْلَبُوا عَلَى صَلاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلاةٍ قَبْلَ غُرُوبِهَا؛ فَافْعَلُوا». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
إِلَى أَمْثَالِ هَذِهِ الأَحَادِيثِ الَّتِي يُخْبِرُ فِيهَا رِسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَن رَّبِهِ بِمَا يُخْبِرُ بِهِ؛ فَإِنَّ الْفِرْقَةَ النَّاجِيَةَ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ يُؤْمِنُونَ بِذَلِكَ؛ كَمَا يُؤْمِنُونَ بِمَا أَخْبَرَ اللهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ؛ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلا تَعْطِيلٍ، وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلٍ؛ بَلْ هُمُ الْوَسَطُ فِي فِرَقِ الأُمَّةِ؛ كَمَا أَنَّ الأُمَّةَ هِيَ الْوَسَطُ فِي الأُمَمِ؛ فَهُمْ وَسَطٌ فِي بَابِ صِفَاتِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَيْنَ أهْلِ التَّعْطِيلِ الْجَهْمِيَّةِ، وَأَهْلِ التَّمْثِيلِ الْمُشَبِّهَةِ؛ وَهُمْ وَسَطٌ فِي بَابِ أَفْعَالِ اللهِ بَيْنَ الْجَبْرِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ.
وَفِي بَابِ وَعِيدِ اللهِ بَيْنَ الْمُرْجِئَةِ وَالْوَعِيدِيَّةِ مِنَ الْقَدَرِيَّةِ وَغِيْرِهِمْ.
وَفِي بَابِ أَسْمَاءِ الإِيمَانِ والدِّينِ بَيْنَ الْحَرُورِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَبَيْنَ الْمُرْجِئَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ.
وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الرَّافِضَةِ وَالْخَوَارِجِ.

.فصل: من الإيمان بالله الإيمانُ بأنه فوق عرشه:

وَقَدْ دَخَلَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الإِيمَانِ بِاللهِ الإِيمَانُ بِمَا أَخْبَرَ اللهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ، وَتَوَاتَرَ عَن رَّسُولِهِ، وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ سَلَفُ الأُمَّةِ؛ مِنْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ، عَلَى عَرْشِهِ، عَلِيٌّ عَلَى خَلْقِهِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ مَعَهُمْ أَيْنَمَا كَانُوا، يَعْلَمُ مَا هُمْ عَامِلُونَ؛ كَمَا جَمَعَ بَيْنَ ذَلِكَ في َقَوْلِهِ: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}، وَلَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَهُوَ مَعَكُمْ} أَنَّهُ مُخْتَلِطٌ بِالْخَلْقِ؛ فَإِنَّ هَذَا لَا تُوجِبُهُ، اللُّغَةُ، بَلِ الْقَمَرُ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ مِنْ أَصْغَرِ مَخْلُوقَاتِهِ، وَهُوَ مَوْضُوعٌ فِي السَّمَاءِ، وَهُوَ مَعَ الْمُسَافِرِ وَغَيْرُ الْمُسَافِرِ أَيْنَمَا كَانَ. وَهُوَ سُبْحَانَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ، رَقِيبٌ عَلَى خَلْقِهِ، مُهَيْمِنٌ عَلَيْهِمْ، مُطَّلِعٌ عَلَيْهِم إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِن مَّعَانِي رُبُوبِيَّتِهِ. وَكُلُّ هَذَا الْكَلامِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللهُ مِنْ أَنَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ وَأَنَّهُ مَعَنَا حَقٌّ عَلَى حَقِيقَتِهِ، لَا يَحْتَاجُ إَلَى تَحْرِيفٍ، وَلَكِنْ يُصَانُ عَنِ الظُّنُونِ الْكَاذِبَةِ؛ مِثْلِ أَنْ يُظَنَّ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ: {فِي السَّمَاء}، أَنَّ السَّمَاءَ تُظِلُّهُ أَوْ تُقِلُّهُ، وَهَذَا بَاطِلٌ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالإِيمَانِ؛ فَإنَّ اللهَ قَدْ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَهُوَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولَا، وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ؛ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَمَنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ.

.فصل: من الإيمام بالله الإيمانُ بأنه قريب مجيب:

وَقَد دَّخَلَ فِي ذَلِكَ الإِيمَانُ بِأَنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ؛ كَمَا جَمَعَ بينَ ذَلِكَ في قَوْلِهِ: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ...} الآيَة، وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُم مِّن عُنقِ رَاحِلَتِهِ». وَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتِابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ قُرْبِهِ وَمَعِيَّتِهِ لَا يُنَافِي مَا ذُكِرَ مِنْ عُلُوِّهِ وَفَوْقِيَّتِهِ؛ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فِي جَمِيعِ نُعُوتِهِ، وَهُوَ عَلِيٌّ فِي دُنُوِّه، قَرِيبٌ فِي عُلُوِّهِ.


.فصل: من الإيمان بالله وكتبه الإيمان بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق:

وَمِنَ الإِيمَانِ باللهِ وَكُتُبِهِ الإيمانُ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلامُ اللهِ، مُنَزَّلٌ، غَيْرُ مَخْلُوقٍ، مِنْهُ بَدَأَ، وَإِلَيْهِ يَعُودُ، وَأَنَّ اللهَ تَكَلَّمَ بِهِ حَقِيقَةً، وَأَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم هُوَ كَلامُ اللهِ حَقِيقَةً، لَا كَلامَ غَيْرِهِ. وَلا يَجُوزُ إِطْلاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ حِكَايَةٌ عَنْ كَلَامِ اللهِ، أَوْ عِبَارَةٌ؛ بَلْ إِذَا قَرَأَهُ النَّاسُ أَوْ كَتَبُوهُ فِي الْمَصَاحِفِ؛ لَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يَكُونَ كَلامَ اللهِ تَعَالَى حَقِيقَةً، فَإِنَّ الْكَلَامَ إِنَّمَا يُضَافُ حَقِيقَةً إِلَى مَنْ قَالَهُ مُبْتَدِئًا، لَا إلَى مَنْ قَالَهُ مُبَلِّغًا مُؤَدِّيًا. وَهُوَ كَلامُ اللهِ؛ حُرُوفُهُ، ومَعَانِيهِ؛ لَيْسَ كَلامُ اللهِ الْحُرُوفَ دُونَ الْمَعَانِي، وَلَا الْمَعَانِيَ دُونَ الْحُرُوفِ.

.فصل: من الإيمان بالله الإيمانُ برؤية المؤمنين لربهم:

وَقَد دَّخَلَ أيْضًا فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الإِيمَانِ بِهِ وَبِكُتُبِهِ وَبِمَلَائِكَتَهِ وَبِرُسُلِهِ: الإيمَانُ بِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَيَانًا بِأَبْصَارِهِمْ كَمَا يَرَوْنَ الشَّمْسَ صَحْوًا لَيْسَ بِهَا سَحَابٌ، وَكَمَا يَرَوْنَ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَا يُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ. يَرَوْنَهُ سُبْحَانَهَ وَهُمْ فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَرَوْنَهُ بَعْدَ دُخُولِ الْجَنَّةِ؛ كَمَا يَشَاءُ اللهُ تَعَالَى.

.فصل: من الإيمان باليوم الآخرالإيمانُ بما بعد الموت:

وَمِنَ الإِيمَانِ بِالْيَوْمِ الآخِرِ الإيمَانُ بِكُلِّ مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِمَّا يَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَيُؤْمِنُونَ بِفِتْنَةِ الْقَبْرِ، وَبِعَذَابِ الْقَبْرِ وَنَعِيمِهِ. فَأَمَّا الْفِتْنَةُ؛ فَإِنَّ النَّاسَ يُمْتَحَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ، فَيُقَالُ للرِّجُلِ: مَن رَّبُكَ؟ وَمَا دِينُكَ؟ وَمَن نَّبِيُّك؟
فيُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ، فَيَقُولُ الْمؤْمِنُ: رَبِّيَ اللهُ، وَالإِسْلَامُ دِينِي، وَمُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم نَبِيِّي. وَأَمَّا الْمُرْتَابُ؛ فَيَقُولُ: هَاه هَاه؛ لَا أَدْري، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ، فَيُضْرَبُ بِمِرْزَبَةٍ مِنْ حَدِيدٍ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا كُلُّ شَيْءٍ؛ إلَّا الإِنْسَانَ، وَلَوْ سَمِعَهَا الإِنْسَانُ؛ لَصُعِقَ. ثُمَّ بَعْدَ هّذِهِ الْفِتْنَةِ إمَّا نَعِيمٌ وَإِمَّا عَذَابٌ، إِلَى أَنْ تَقُومَ الْقِيَامَةُ الْكُبْرى، فَتُعَادُ الأَرْوَاحُ إِلَى الأجْسَادِ.
وَتَقُومُ الْقِيَامَةُ الَّتِي أَخْبَرَ اللهُ بِهَا فِي كِتَابِهِ، وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهُ، وَأَجْمَعَ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ. فَيَقُومُ النَّاسُ مِنْ قُبُورِهِمْ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً، وَتَدْنُو مِنْهُمُ الشَّمْسُ، وَيُلْجِمُهُمُ الْعَرَقُ. فَتُنْصَبُ الْمَوَازِينُ، فَتُوزَنُ بِهَا أَعْمَالُ الْعِبَاد، {فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ}. وَتُنْشَرُ الدَّوَاوِينُ، وَهِيَ صَحَائِفُ الأَعْمَالِ، فَآخِذٌ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، وآخِذٌ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ أَوْ مِنْ وَّراءِ ظَهْرِهِ؛ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}.
وَيُحَاسِبُ اللهُ الخَلائِقَ، وَيَخْلُو بِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ، فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ؛ كَمَا وُصِفَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَأَمَّا الْكُفَّارُ؛ فَلا يُحَاسَبُونَ مُحَاسَبَةَ مَنْ تُوزَنُ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ؛ فَإِنَّهُ لَا حَسَنَاتَ لَهُمْ، وَلَكِنْ تُعَدُّ أَعْمَالُهُمْ، فَتُحْصَى، فَيُوقَفُونَ عَلَيْهَا وَيُقَرَّرُونَ بِهَا.
وَفِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ الْحَوضُ الْمَوْرُودُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ماؤُه أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، آنِيَتُهُ عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ، طُولُهُ شَهْرٌ، وَعَرْضُهُ شَهْرٌ، مَن يَّشْرَبُ مِنْهُ شَرْبَةً؛ لَا يَظْمَأُ بَعْدَهَا أَبَدًا.
وَالصِّرَاطُ مَنْصُوبٌ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ، وَهُوَ الْجِسْرُ الَّذِي بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، يَمُرُّ النَّاسُ عَلَيْهِ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ، وَمِنْهُم مَن يَمُرُّ كَالْبَرْقِ، وَمِنْهُم مَن يَمُرُّ كَالرِّيحِ، ومِنْهُم مَن يَمُرُّ كَالْفَرَسِ الْجَوَادِ، وَمِنْهُم مَن يَمُرُّ كَرِكَابِ الإِبِلِ، ومِنْهُم مَن يَعْدُو عَدْوًا، وَمِنْهُم مَن يَمْشِي مَشْيًا، وَمِنْهُم مَن يَزْحَفُ زَحْفًا، وَمَنْهُم مَن يُخْطَفُ خَطْفًا وَيُلْقَى فِي جَهَنَّمَ؛ فَإِنَّ الْجِسرَ عَلَيْهِ كَلَالِيبُ تَخْطِفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِم، فَمَنْ مَرَّ عَلَى الصِّرَاطِ؛ دَخَلَ الْجَنَّةَ. فَإِذَا عَبَرُوا عَلَيْهِ؛ وَقَفُوا عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيُقْتَصَّ لِبَعْضِهِم مِن بَعْضٍ، فَإِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا؛ أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ.
وَأَوَّلُ مَن يَسْتَفْتِحُ بَابَ الْجَنَّةِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، وَأَوَّلُ مَن يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنَ الأُمَمِ أُمَّتُهُ.
وَلَه صلى الله عليه وسلم فِي الْقِيَامَةِ ثَلاثُ شَفَاعَاتٍ: أَمَّا الشَّفَاعَةُ الأُوْلَى؛ فَيَشفَعُ فَي أَهْلِ الْمَوْقِفِ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَهُمْ بَعْدَ أَنْ يَتَرَاجَعَ الأَنْبِيَاءُ؛ آدَمُ، وَنُوحٌ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَمُوسَى، وَعِيسى ابْنُ مَرْيَمَ عَنِ الشَّفَاعَةِ حَتَّى تَنْتَهِيَ إلَيْهِ.
وَأَمَّا الشَّفَاعَةُ الثَّانِيَةُ؛ فَيَشْفَعُ فِي أَهْلِ الْجَنَّةِ أَن يَدْخُلُوا الْجَنَّة. وَهَاتَانَ الشَّفَاعَتَانِ خَاصَّتَانِ لَهُ.
وَأَمَّا الشَّفَاعَةُ الثَّالِثَةُ؛ فَيَشْفَعُ فِيمَنِ اسْتَحَقَّ النَّارَ، وَهَذِهِ الشَّفَاعَةُ لَهُ وَلِسَائِرِ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَغَيْرِهِمْ، فَيَشْفَعُ فِيمَنِ اسْتَحَقَّ النَّارَ أَلَّا يَدْخُلَهَا، وَيَشْفَعُ فِيمَنْ دَخَلَهَا أَن يَخْرُجَ مِنْهَا. وَيُخْرِجُ اللهُ مِنَ النَّارِ أَقْوَامًا بِغِيرِ شَفَاعَةٍ؛ بَلْ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَيَبْقَى فِي الْجَنَّةِ فَضْلٌ عَمَّنْ دَخَلَهَا مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، فَيُنْشِئُ اللهُ لَهَا أَقْوَامًا فَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ.
وَأَصْنَافُ مَا تَضَمَّنَتْهُ الدَّارُ الآخِرَةُ مِنَ الْحِسَابِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَتَفَاصِيلُ ذَلِكَ مَذْكُورَةٌ فِي الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ مِنَ السَّمَاءِ، وَالآثَارِ مِنَ الْعِلْمِ الْمَأْثُورِ عَنِ الأَنْبِيَاءِ، وَفِي الْعِلْمِ الْمَوْرُوثِ عَنْ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مِنْ ذَلِكَ مَا يَشْفِي وَيَكْفِي، فَمَنِ ابْتَغَاهُ وَجَدَهُ.




 

رد مع اقتباس
قديم 04-26-2014   #8


الصورة الرمزية مفرح التليدي
مفرح التليدي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 948
 تاريخ التسجيل :  Jan 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (07:14 AM)
 المشاركات : 10,284 [ + ]
 التقييم :  28159
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: مدونة الخطب والدروس والفوائد الشرعيه








.فصل: من الإيمان بالله الإيمانُ بالقدر خيره وشره:



وَتُؤْمِنُ الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ. وَالإِيمَانُ بِالْقَدَرِ عَلَى دَرَجَتَينِ؛ كُلُّ دَرَجَةٍ تَتَضَمَّنُ شَيْئَيْنِ. فَالدَّرَجَةُ الأُولَى: الإيمَانُ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى عَلِيمٌ بِالْخَلْق، وَهُمْ عَامِلُونَ بِعِلْمِهِ الْقَدِيمِ الَّذِي هُوَ مَوْصُوفٌ بِهِ أَزَلاً وَأَبَدًا، وَعَلِمَ جَمِيعَ أَحْوَالِهِم مِّنَ الطَّاعَاتِ وَالْمَعَاصِي وَالأَرْزَاقِ وَالآجَالِ، ثُمَّ كَتَبَ اللهُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مَقَادِيرَ الْخَلْقِ. فَأَوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ الْقَلَمَ قَالَ لَهُ: اكْتُبْ. قَالَ: مَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَمَا أَصَابَ الإِنْسَانَ لَمْ يَكُن لِّيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُن لِّيُصِيبَهُ، جَفَّتِ الأَقْلَامُ، وَطُوِيَتِ الصُّحُفُ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}، وَقَال َ: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} وَهَذَا التَّقْدِيرُ التَّابِعُ لِعِلْمِهِ سُبْحَانَهُ يَكُونُ فِي مَوَاضِعَ جُمْلَةً وَتَفْصِيلاً: فَقَدْ كَتَبَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مَا شَاءَ. وَإِذَا خَلَقَ جَسَدَ الْجَنِينِ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ؛ بَعَثَ إِلَيْهِ مَلَكًا، فَيُؤْمَرُ بِأْرْبَعِ كَلِمَاتٍ، فَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ: رِزْقَهُ، وَأَجَلَهُ، وَعَمَلَهُ، وَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ.. وَنَحْوَ ذَلِكَ. فَهَذَا التَّقْدِيرُ قَدْ كَانَ يُنْكِرُهُ غُلاةُ الْقَدَرِيَّةِ قَدِيمًا، وَمُنْكِرُهُ الْيَوْمَ قَلِيلٌ.
وَأَمَّا الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ؛ فَهِيَ مَشِيئَةُ اللهِ النَّافِذَةُ، وَقُدْرَتُهُ الشَّامِلَةُ، وَهُوَ: الإِيمَانُ بِأَنَّ مَا شَاءَ اللهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَأَنَّهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ حَرَكَةٍ وَلَا سُكُونٍ؛ إلَّا بِمَشِيئَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ، لَا يَكُونُ فِي مُلْكِهِ مَا لَا يُرِيدُ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ وَالْمَعْدُومَاتِ، مَا مِنْ مَخْلُوقٍ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ إلَّا اللهُ خَالِقُهُ سُبْحَانَهُ، لا خَالِقَ غَيْرُهُ، وَلَا رَبَّ سِوَاهُ. وَمَعَ ذَلِكَ؛ فَقَدْ أَمَرَ الْعِبَادَ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رُسُلِهِ، وَنَهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ. وَهُوَ سُبْحَانَهُ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ وَالْمُحْسِنِينَ وَالْمُقْسِطِينَ، وَيَرْضَى عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، وَلا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ، وَلَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ، وَلَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ، وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهُ الْكُفْرَ، وَلَا يُحِبُّ الْفَسَادَ.
وَالْعِبَادُ فَاعِلُونَ حَقِيقَةً، وَاللَّهُ خَلَقَ أفْعَالَهُم. وَالْعَبْدُ هُوَ: الْمُؤْمِنُ، وَالْكَافِرُ، وَالْبَرُّ، وَالْفَاجِرُ، وَالْمُصَلِّي، وَالصَّائِمُ. وِلِلْعِبَادِ قُدْرَةٌ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، وَلَهُمْ إِرَادَةٌ، وَاللهُ خَالِقُهُمْ وَقُدْرَتَهُمْ وَإِرَادَتَهُمْ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}.
وَهَذِهِ الدَّرَجَةُ مِنَ الْقَدَرِ يُكَذِّبُ بِهَا عَامَّةُ الْقَدَرِيَّةِ الَّذِينَ سَمَّاهُمُ النَّبِيُّ مَجُوسَِ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَيَغْلُو فِيهَا قَومٌ مِنْ أَهْلِ الإثْبَاتِ، حَتَّى سَلَبُوا الْعَبْدَ قُدْرَتَهُ وَاخْتِيَارَهُ، وَيُخرِجُونَ عَنْ أَفْعَالِ اللهِ وَأَحْكَامِهِ حُكْمَهَا وَمَصَالِحَهَا.


.فصل: من أصول أهل السنة والجماعة أن الدين والإيمان قول وعمل يزيد وينقص:

وَمِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّ الدِّينَ وَالإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، قَوْلٌ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ، وَعَمَلُ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَالْجَوَارِحِ. وَأَنَّ الإيمَانَ يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ، وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ.
وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ لا يُكَفِّرُونَ أَهْلَ الْقِبْلَةِ بِمُطْلَقِ الْمَعَاصِي وَالْكَبَائِرِ؛ كَمَا يَفْعَلُهُ الْخَوَارَجُ؛ بَلِ الأُخُوَّةُ الإِيمَانِيَّةُ ثَابِتَةٌ مَعَ الْمَعَاصِي؛ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ}، وَقَالَ: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}.
وَلَا يَسْلُبُونَ الْفَاسِقَ الْمِلِّيَّ اسْمِ الإيمَانِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَا يُخَلِّدُونَهُ فِي النَّار؛ كَمَا تَقُولُ الْمُعْتَزِلَةُ. بَلِ الْفَاسِقُ يَدْخُلُ فِي اسْمِ الإيمَان؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ}، وَقَدْ لَا يَدْخُلُ فِي اسْمِ الإِيمَانِ الْمُطْلَقِ؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا}، وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَنْتَهِبُ نَهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ». وَيَقُولُونَ: هُوَ مُؤْمِنٌ نَاقِصُ الإِيمَانِ، أَوْ مُؤْمِنٌ بِإِيمَانِهِ فَاسِقٌ بِكَبِيرَتِهِ، فَلَا يُعْطَى الاسْمَ الْمُطْلَقَ، وَلَا يُسْلَبُ مُطْلَقَ الاسْمِ.


.فصل: من أصول أهل السنة والجماعة وجوب حب الصحابة وأهل البيت:

وَمِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ سَلَامَةُ قُلُوبِهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ لأَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، كَمَا وَصَفَهُمُ اللهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}، وَطَاعَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهُ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلا نَصِيفَهُ». وَيَقْبَلُونَ مَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسَّنَّةُ وَالإِجْمَاعُ مِنْ فَضَائِلِهِمْ وَمَرَاتِبِهِمْ.
وَيُفَضِّلُونَ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَهُوَ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ وَقَاتَلَ عَلَى مَنْ أَنْفَقَ مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلَ. وَيُقَدِّمُونَ الْمُهَاجِرِينَ عَلَى الأَنْصَارِ.
وَيُؤْمِنُونَ بِأَنَّ اللهَ قَالَ لأَهْلِ بَدْرٍ وَكَانُوا ثَلاثَ مِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ: «اعْمَلُوا مَا شِئْتُم، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ».
وَبِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ؛ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، بَلْ لَقَدْ رَضَيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ، وَكَانُوا أَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَيَشْهَدُونَ بِالْجَنَّةِ لِمَنْ شَهِدَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، كَالْعَشَرَةِ، وَثَابِتِ بْنِ قِيْسِ بنِ شَمَّاسٍ، وَغَيْرِهِم مِّنَ الصَّحَابَةِ.
وَيُقِرُّونَ بِمَا تَوَاتَرَ بِهِ النَّقْلُ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ خَيْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّها: أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ. وَيُثَلِّثُونَ بِعُثْمَانَ، وَيُرَبِّعُونَ بِعَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ؛ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الآثَارُ، وَكَمَا أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى تَقْدِيمِ عُثْمَانُ فِي الْبَيْعَةِ. مَعَ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ السُّنَّةِ كَانُوا قَدِ اخْتَلَفُوا فِي عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضَيَ اللهُ عَنْهُمَا بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ فَقَدَّمَ قَوْمٌ عُثْمَانَ: وَسَكَتُوا، أَوْ رَبَّعُوا بِعَلِيٍّ، وَقَدَّم قَوْمٌ عَلِيًّا، وَقَوْمٌ تَوَقَّفُوا. لَكِنِ اسْتَقَرَّ أَمْرُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى تَقْدِيمِ عُثْمَانَ، ثُمَّ عَلِيٍّ. وَإِنْ كَانَتْ هَذِه الْمَسْأَلَةُ مَسْأَلَةُ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ لَيْسَتْ مِنَ الأُصُولِ الَّتِي يُضَلَّلُ الْمُخَالِفُ فِيهَا عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ. لَكِنِ الَّتِي يُضَلَّلُ فِيهَا: مَسْأَلَةُ الْخِلَافَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ أَنَّ الْخَلِيفَةَ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، ثُمَّ عَلِيٌّ. وَمَنْ طَعَنَ فِي خِلَافَةِ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلاءِ؛ فَهُوَ أَضَلُّ مِنْ حِمَارِ أَهْلِهِ.
وَيُحِبُّونَ أَهْلَ بَيْتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَيَتَوَلَّوْنَهُمْ، وَيَحْفَظُونَ فِيهِمْ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: حَيْثُ قَالَ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ: «أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي».
وَقَالَ أَيْضًا لِلْعَبَّاسِ عَمِّه وَقَدِ اشْتَكَى إِلَيْهِ أَنَّ بَعْضَ قُرَيْشٍ يَجْفُو بَنِي هَاشِمٍ فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحِبُّوكُمْ؛ للهِ وَلِقَرَابَتِي».
وَقَالَ: «إِنَّ اللهَ اصْطَفَى بَنِي إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي إسْمَاعِيلَ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ كِنَانَةَ قُرَيْشًا، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ».
وَيَتَوَلَّوْنَ أَزْوَاجَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيُؤْمِنُونَ بَأَنَّهُنَّ أَزْوَاجُهُ فِي الآخِرَةِ: خُصُوصًا خَدِيجَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أُمَّ أَكْثَرِ أَوْلَادِهِ، وَأَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِهِ وَعَاضَدَهُ عَلَى أَمْرِه، وَكَانَ لَهَا مِنْهُ الْمَنْزِلَةُ الْعَالِيَةُ. وَالصِّدِّيقَةَ بِنْتَ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، الَّتِي قَالَ فِيهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ».
وَيَتَبَرَّؤُونَ مِنْ طَرِيقَةِ الرَّوَافِضِ الَّذِينَ يُبْغِضُونَ الصَّحَابَةَ وَيَسُبُّونَهُمْ. وَطَرِيقَةِ النَّوَاصِبِ الَّذِينَ يُؤْذُونَ أَهْلَ الْبَيْتِ بِقَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ. وَيُمْسِكُونَ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ هَذِهِ الآثَارَ الْمَرْوِيَّةَ فِي مَسَاوِيهِمْ مِنْهَا مَا هُوَ كَذِبٌ، وَمَنْهَا مَا قَدْ زِيدَ فِيهِ وَنُقِصَ وَغُيِّرَ عَنْ وَجْهِهِ، وَالصَّحِيحُ مِنْهُ هُمْ فِيهِ مَعْذُورُونَ: إِمَّا مُجْتَهِدُونَ مُصِيبُونَ، وَإِمَّا مُجْتَهِدُونَ مُخْطِئُونَ. وَهُم مَّعَ ذَلِكَ لَا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مَعْصُومٌ عَنْ كَبَائِرِ الإِثْمِ وَصَغَائِرِهِ؛ بَلْ يَجُوزُ عَلَيْهِمُ الذُّنُوبُ فِي الْجُمْلَةِ. وَلَهُم مِّنَ السَّوَابِقِ وَالْفَضَائِلِ مَا يُوجِبُ مَغْفِرَةَ مَا يَصْدُرُ مِنْهُمْ إِنْ صَدَرَ، حَتَّى إنَّهُمْ يُغْفَرُ لَهُم مِّنَ السَّيِّئَاتِ مَا لَا يُغْفَرُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ؛ لأَنَّ لَهُم مِّنَ الْحَسَنَاتِ الَّتِي تَمْحُو السَّيِّئَاتِ مَا لَيْسَ لِمَنْ بَعْدَهُمْ. وَقَدْ ثَبَتَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ، وَأَنَّ الْمُدَّ مِنْ أَحَدِهِمْ إذَا تَصَدََّقَ بِهِ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ جَبَلِ أُحُدٍ ذَهَبًا مِمَّن بَعْدَهُمْ. ثُمَّ إِذَا كَانَ قَدْ صَدَرَ مِنْ أَحَدِهِمْ ذَنْبٌ؛ فَيَكُونُ قَدْ تَابَ مِنْهُ، أَوْ أَتَى بَحَسَنَاتٍ تَمْحُوهُ، أَو غُفِرَ لَهُ؛ بِفَضْلِ سَابِقَتِهِ، أَوْ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم الَّذِي هُمْ أَحَقُّ النَّاسِ بِشَفَاعَتِهِ، أَوْ ابْتُلِيَ بِبَلَاءٍ فِي الدُّنْيَا كُفِّرَ بِهِ عَنْهُ. فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الذُّنُوبِ الْمُحَقَّقَةِ؛ فَكَيْفَ الأُمُورُ الَّتِي كَانُوا فِيهَا مُجْتَهِدِينَ: إنْ أَصَابُوا؛ فَلَهُمْ أَجْرَانِ، وَإِنْ أَخْطَئُوا؛ فَلَهُمْ أَجْرٌ وَاحِدٌ، وَالْخَطَأُ مغْفُورٌ. ثُمَّ إِنَّ الْقَدْرَ الَّذِي يُنْكَرُ مِنْ فِعْلِ بَعْضِهِمْ قَلِيلٌ نَزْرٌ مَغْفُورٌ فِي جَنْبِ فَضَائِلِ الْقَوْمِ وَمَحَاسِنِهِمْ؛ مِنَ الإِيمَانِ بِاللهِ، وَرَسُولِهِ، وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ، وَالْهِجْرَةِ، وَالنُّصْرَةِ، وَالْعِلْمِ النَّافِعِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ. وَمَن نَّظَرَ فِي سِيرَةِ الْقَوْمِ بِعِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ، وَمَا مَنَّ اللهُ عَلَيْهِم بِهِ مِنَ الْفَضَائِلِ؛ عَلِمَ يَقِينًا أَنَّهُمْ خِيْرُ الْخَلْقِ بَعْدَ الأَنْبِيَاءِ؛ لَا كَانَ وَلا يَكُونُ مِثْلُهُمْ، وَأَنَّهُمُ الصَّفْوَةُ مِنْ قُرُونِ هَذِهِ الأُمَّةِ الَّتِي هِيَ خَيْرُ الأُمَمِ وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللهِ.


.فصل: من أصول أهل السنة والجماعة وجوب التصديق بكرامات الأولياء:


وَمِنْ أُصًولِ أَهْلِ السُّنَّةِ:

التَّصْدِيقُ بِكَرَامَاتَ الأَوْلِيَاءِ وَمَا يُجْرِي اللهُ عَلَى أَيْدِيهِم مِّنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ فِي أَنْوَاعِ الْعُلُومِ وَالْمُكَاشَفَاتِ وَأَنْوَاعِ الْقُدْرَةِ وَالتَّأْثِيرَاتِ، كالْمَأْثُورِ عَنْ سَالِفِ الأُمَمِ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ وَغَيْرِهَا، وَعَنْ صَدْرِ هَذِهِ الأُمَّةِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَسَائِرِ قُرُونِ الأُمَّةِ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

يتبع ...



 

رد مع اقتباس
قديم 04-26-2014   #9


الصورة الرمزية مفرح التليدي
مفرح التليدي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 948
 تاريخ التسجيل :  Jan 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (07:14 AM)
 المشاركات : 10,284 [ + ]
 التقييم :  28159
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: مدونة الخطب والدروس والفوائد الشرعيه







فصل في أن من طريقة أهل السنة والجماعة الاتباع وليس الابتداع:


ثُمَّ مِنْ طَرِيقَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ اتِّبَاعُ آثَارِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَاطِنًا وَظَاهِرًا، وَاتِّبَاعُ سَبِيلِ السَّابِقِينَ الأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَاتِّبَاعُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، حَيثُ قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيْينَ مِنْ بَعْدِي، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ». وَيَعْلَمُونَ أَنَّ أَصْدَقَ الْكَلامِ كَلامُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَيُؤْثِرُونَ كَلَامَ اللهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ كَلامِ أَصْنَافِ النَّاسِ، وَيُقَدِّمُونَ هَدْيَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم عَلَى هَدْيِ كُلِّ أَحَدٍ. وَلِهَذَا سُمُّوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَسُمُّوا أَهْلَ الْجَمَاعَةِ؛ لأَنَّ الْجَمَاعَةَ هِيَ الاجْتِمَاعُ، وَضِدُّهَا الْفُرْقَةُ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُ الْجَمَاعَةِ قَدْ صَارَ اسْمًا لِنَفْسِ الْقَوْمِ الْمُجْتَمِعِينَ.
وَالإِجِمَاعُ هُوَ الأَصْلُ الثَّالِثُ الَّذِي يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي الْعِلْمِ وَالدينِ.
وَهُمْ يَزِنُونَ بِهَذِه الأُصُولِ الثَّلاثَةِ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ النَّاسُ مِنْ أَقْوَالٍ وَأَعْمَالٍ بَاطِنَةٍ أَوْ ظَاهِرَةٍ مِمَّا لَهُ تَعَلُّقٌ بِالدِّينِ.
وَالإِجْمَاعُ الَّذِي يَنْضَبِطُ هُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ الصَّالِحُ؛ إِذْ بَعْدَهُمْ كَثُرَ الاخْتِلافُ، وَانْتَشَرَ فِي الأُمَّةِ.


.فصل في صفات متفرقة لأهل السنة والجماعة:

ثُمَّ هُم مَّعَ هّذِهِ الأُصُولِ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَونَ عَنِ الْمُنْكَرِ عَلَى مَا تُوجِبُهُ الشَّرِيعَةُ، وَيَرَوْنَ إِقَامَةَ الْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَالْجُمَعِ وَالأَعْيَادِ مَعَ الأُمَرَاءِ أَبْرَارًا كَانُوا أَوْ فُجَّارًا، وَيُحَافِظُونَ عَلَى الْجَمَاعَاتِ.
وَيَدِينُونَ بِالنَّصِيحَةِ للأُمَّةِ، وَيَعْتَقِدُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ الْمَرْصُوصِ؛ يَشُدُّ بَعْضَهُ بَعْضًا»، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ؛ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بُالْحُمَّى وَالسَّهَرِ».
وَيَأْمُرُونَ بِالصَّبْرِ عِنْدَ الْبَلاءِ، وَالشُّكْرِ عِنْدَ الرَّخَاءِ وَالرِّضَا بِمُرِّ الْقَضَاءِ.
وَيَدْعُونَ إِلَى مَكَارِمِ الأَخْلاقِ، وَمَحَاسِنِ الأَعْمَالِ، وَيَعْتَقِدُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا».
وَيَنْدُبُونَ إِلَى أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ، وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ، وَتَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ.
وَيَأْمُرُونَ بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ، وَصِلَةِ الأَرْحَامِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالإِحْسِانِ إلَى الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، وَالرِّفْقِ بِالْمَمْلُوكِ.
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْفَخْرِ، وَالْخُيَلاءِ، وَالْبَغْيِ، وَالاسْتِطَالَةِ عَلَى الْخَلْقِ بِحَقٍّ أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ.
وَيَأْمُرُونَ بِمَعَالِي الأَخْلاقِ، َوَيَنْهَوْنَ عَنْ سَفْسَافِهَا.
وَكُلُّ مَا يَقُولُونَهُ وَيَفْعَلُونَهُ مِنْ هَذَا وَغَيْرِهِ؛ فَإِنَّمَا هُمْ فِيهِ مُتَّبِعُونَ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَطَرِيقَتُهُمْ هِيَ دِينُ الإسْلامِ الَّذِي بَعَثَ اللهُ بِهِ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم.
لَكِنْ لَمَّا أَخْبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ أُمَّتُهُ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً؛ كُلُّهَا فِي النَّار؛ إلَّا وَاحِدَةً، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ.
وَفِي حَدِيثٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «هُمْ مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَومَ وَأَصْحَابِي»، صَارَ الْمُتَمَسِّكُونَ بِالإسْلامِ الْمَحْضِ الْخَالِصِ عَنِ الشَّوْبِ هُمُ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ.
وَفِيهِمُ الصِّدِّيقُونَ، وَالشُّهَدَاءِ، وَالصَّالِحُونَ، وَمِنْهُمُ أَعْلامُ الْهُدَى، وَمَصَابِيحُ الدُّجَى، أُولو الْمَنَاقِبِ الْمَأْثُورَةِ، وَالْفَضَائِلِ الْمَذْكُورَةِ، وَفِيهِمُ الأَبْدَالُ، وَفِيهِمُ أَئِمَّةُ الدِّينِ، الَّذِينَ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى هِدَايَتِهِمْ وَدِرَايَتِهِمْ، وَهُمُ الطَّائِفَةُ الْمَنْصُورَةُ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ مَنْصُورَةً، لَا يَضُرُّهُم مَّنْ خَالَفَهُمْ، وَلَا مَنْ خَذَلَهُمْ؛ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ»، نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْهُمْ وَأَنْ لَا يُزِيغَ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا، وَأَنْ يَهَبَ لَنَا مِن لَّدُنْهُ رَحْمَةً إِنَّهُ هُوَ الوَهَّابُ، وَاللهُ أَعْلَمُ.


وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.





 

رد مع اقتباس
قديم 04-30-2014   #10


الصورة الرمزية مفرح التليدي
مفرح التليدي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 948
 تاريخ التسجيل :  Jan 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (07:14 AM)
 المشاركات : 10,284 [ + ]
 التقييم :  28159
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: مدونة الخطب والدروس والفوائد الشرعيه





وصية مشفق ( في التحذير من الظلم )


خطبة الجمعة في جامع الربوعة

لخطيب الجامع

مفرح بن قطمان رفيع التليدي



الحمد لله الذي كان بعباده خبيرا بصيرا .


وتبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا .


وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يتذكر أو أراد شكورا


وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا .


الذي له ملك السموات والارض ولم يتخذ ولدا. ولم يكن له شريك في الملك .


وخلق كل شيئ فقدره تقديرا .


والصلاة والسلام على من بعثه ربه هاديا ومبشرا ونذيرا وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا

وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له

وأشهد أن محمد عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه

بلغ الرسالة وأدى الأمانه ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين من ربه

فصلى الله وسلم على حامل لواء العز في بني لؤي

وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي

صاحب الغرة والتحجيل . المؤيد بجبريل

المذكور في التوراة والانجيل .المعلم الجليل

صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا الى يوم الدين



أما بعد : فاتقوا الله أيها الناس والتزموا بالميثاق ، وتأسوا بأحسن الأخلاق ، وتذكروا يوم الورود على العليم الخلاق ،

وانزعوا من قلوبكم الخلاف والشقاق ، وتحلوا بالصبر والوفاق ، واخشوا يوم الفراق

، إذا التفت الساق بالساق ، مالكم من الله من ولي ولا واق ، قال المدبر الرزاق :
{ وَمَا يَنظُرُ هَؤُلَاء إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ } .
أيها الأخوة الفضلاء : إن الظلم ذنب عظيم ، وإثم مرتعه وخيم ، هو سبب الفساد والفتن ، والبلاء والإحن ،

والعقاب والمحن ، الظلم منبع الرذائل والموبقات ، ومصدر الشرور والسيئات

، متى فشا في أمة أذن الله بأفولها , ومتى شاع في بلدة حصلت أسباب زوالها ، وانعقدت دوافع سفولها
فبه تفسد البلدان والديار , وتدمر الأوطان والأمصار , وبه ينزل غضب الجبار ، قال الله الواحد القهار :
{ وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً }

فأين الأمم الظالمة القاهرة ، الغابرة الظاهرة ؟ لقد نزلت بهم الفواجع ،

وحلّت بهم المواجع ، فمهما بلغت قوّةُ الظالم ، وضعفُ المظلوم

فإنَّ الظالم مقهور مخذول ، مصفّد مغلول ، وأقربُ الأشياء ، صرعة الظلوم ،

وأنفذ السهام ، دعوة المظلوم ، يرفعها الحيّ القيوم ، فوق عنان الغيوم ،

يقول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لا تردّ دعوتهم : الصائم حين يفطر ، والإمام العادل

، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ، ويفتح لها أبوابَ السماء

، ويقول لها الرب : وعزَّتي وجلالي لأنصرنَّك ولو بعدَ حين " [ أخرجه أحمد والترمذي وحسنه ] ،

فسبحان من سمع أنينَ المظلوم ، المضطهدِ المهموم ، وسمع نداءَ المكروب المغموم

، فرفع للمظلوم مكاناً ، وجعل الظالم مهاناً ،

عن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : " إنَّ اللهَ لَيُملي للظالم ، حتىٰ إذا أخذَه لم يُفلِتْه "

ثم قرأ : { وكذلكَ أخذُ رَبِّكَ إذا أَخَذَ القُرَى وهي ظالمة إنَّ أخذَهُ أليمٌ شديد} [ متفق عليه

] ، فاحذروا الظلم يا عباد الله ، فأجسادكم على النار لا تقوى

، واخشوا القبر ولظى ، فالنار موعد من ظلم وطغى ، قال عالم السر والنجوى

: { إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ } .

إخوة الإيمان : كم من الناس من يرجو رحمة الله ، ويخشى عقابه ،

وهو مع ذلك قد ظلم عباد الله ، واعتدى عليهم في أموالهم وأعراضهم , فأنى يستجاب لهذا ؟

عن أَبي هُريرةَ رضِي اللَّهُ عنْه قَالَ : قِيلَ لِلنَّبي صلى الله عليه وسلم : إِنَّ فُلاَنَةً تَقُوم اللَّيْلَ ، وَتَصُومُ النَّهَارَ ،

وَتَفْعَلُ الْخَيْرَاتِ ، وَتَتَصَّدَّقُ ، وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لاَ خَيْرَ فِيهَا ، هِيَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ "

[ أخرجه الحاكم وقال : صحيح الإسناد ، ووافقه الألباني رحمه الله في الصحيحة ]

فما أقبح الظلم وما أشنع نتائجه ؟ وما أسوأ الظلم وما أفظع خواتمه ؟

عباد الله لقد حذر الإسلام من الظلم أشد التحذير ، وبين آثاره المشينة ، وعواقبه الوخيمة ونتائجه المدمرة ، على الفرد والمجتمع .
* فقال سبحانه وتعالى ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) [ الشعراء 227 ]
* وقال: ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) [ القصص 50 ]
* وقال عز وجل : ( إنه لا يفلح الظالمون ) [ الأنعام 21 ]
* وقال تبارك وتعالى ( إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي
* الْأَرْضِ بِغَيْرِالْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) [ الشورى 42 ]
* وقال( وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ) [ ابراهيم 42 ]
* وقال سبحانه وتعالى ( وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذْ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ ) [ غافر 18 ]

* وعن أبي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
فيما روي عن الله تبارك وتعالى أنه قال
( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما ، فلا تظالموا …الحديث )

* وعن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( الظلم ظلمات يوم القيامة )
* وعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( انصر أخاك ظالما أو مظلوما ، فقال رجل : يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوما

أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره ؟ قال تحجزه أو تمنعه من الظلم ،فإن ذلك نصره )

أما والله إن الظلم شؤم ******* وما زال الظلوم هو الملوم
إلى ديان يوم الدين نمضي ******* وعند الله تجتمع الخصوم
ستعلم في المعاد إذا التقينا ******* غداً عند المليك من الظلوم

ويقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى ( بئس الزاد إلى المعاد ، العدوان على العباد )
أما ميمون بن مهران فيقول: ( الظالم والمعين على الظلم والمحب له سواء )

أيها الظالم :
اعلم إن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب ، فإنه مهما كان ذليلاً ضعيفاً ، أو مهاناً وضيعاً

، فإن الله ناصره على من ظلمه ، ومؤيده على من اعتدى عليه,

فالله تبارك وتعالى يرفع دعوة المظلوم إليه فوق الغمام ويقول لها

( وعزتي وجلالي ، لأنصرنك ولو بعد حين ) ،

والمظلوم لا ترد دعوته ، ولو كان كافرا أو فاجرا ، فإن كفره أو فجوره إنما هو على نفسه ،،

فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( ثلاثة لا ترد دعوتهم الصائم حتى يفطر ، والإمام العادل ، ودعوة المظلوم

يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء ، ويقول الرب : وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين )

وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرا ، ففجوره على نفسه )
وعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافرا ، فإنه ليس دونها حجاب)

وهذا تحذير شديد ، وإنذار ووعيد ، موجه من المصطفى صلى الله عليه وسلم للظالمين
حيث يقول {( إن الله عز وجل يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته ) ثم قرأ
( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد) [ هود 102 ] }

ويقول أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه ( إياك ودعوات المظلوم ، فإنهن يصعدن إلى الله كأنهن شرارات من نار)

الظلم نار فلا تحقر صغيرته ******* لعل جذوة نار أحرقت بلدا

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ( إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة )

أيها المظلوم صبراً لا تهن ******* إن عين الله يقظى لا تنام

نم قرير العين واهنأ خاطراً ******* فعدل الله دائم بين الأنام

وإن أمهل الله يوماً ظالماً ******* فإن أخذه شديد ذي انتقام

اذا جار الأمير وحاجباه .... .. وقاضي الأرض أسرف في القضاء
فويل ثم ويل ثم ويل ...... لقاضي الأرض من قاضي السماء


فأين الجلساء والأخلاء ، الذين اجتمعوا في ليال ظلماء ، يحيكون المكائد ، وينصبون المصائد ،

يخططون للظلم ، ويعملون للجرم { وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ }

أين الظلمة عن يوم الآذان ، والحرمان من الجنان ، ألم يسمعوا قول الملك الديان :

{ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ } ، فالظالم ملعون ،

لعنه الله جل جلاله ، ولعنه رسوله صلوات الله عليه وسلامه

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " لَتُؤَدُّنَ الْحُقُوقُ إِلَىٰ أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، حَتَّىٰ يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ " [ أخرجه مسلم ] ،

وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى شَاتَيْنِ تَنْتَطِحَانِ ، فَقَالَ : " يَا أَبَا ذَرٍّ ، هَلْ تَدْرِي فِيمَ تَنْتَطِحَانِ ؟

قَالَ ؟ لاَ ، قَالَ : لَكِنَّ اللهَ يَدْرِي ، وَسَيَقْضِي بَيْنَهُمَا يوم القيامة " [ أخرجه أحمد بإسناد صحيح ] ،

قال تعالى : { الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ }

فاتقوا الله أيها الأصحاب ، وتذكروا يوم الحساب ، واتقوا دعوة المظلوم المجُاب ، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب .


، إن الظلم لا يدوم ولا يطول ، وسيَضمحلّ ويزول ، والدهر ذو صرفٍ يدور

، وسيعلم الظالمون عاقبة الغرور ، يقول الحليم الصبور : { وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ }

عبادَ اللهِ :

لـمَّا كانَ الظُّلمُ والعُدوانُ : مُنافِيَينِ للعدْلِ والحقِّ الذي اتَّصفَ بهِ الملِكُ الديَّانُ ،ومنافِيَينِ للميزانِ ؛ الذي قامتْ بهِ الأرضُ والسماواتُ

، وحُكِمَ بهِ قِسطاً وعدلاً بيْنَ جميعِ المخلوقاتِ ، كانَ الظُّلمُ والعُدوانُ عندَ اللهِ تعالى مِن ْأكبرِ الكبائرِ والـمُوبقاتِ ،

وكانتْ درَجتُهُ فِي الـجُرْمِ والإثمِ بحسَبِ مفسدتِهِ فِي الأفرادِ والمُجتمعاتِ .


قالَ اللهُ تباركَ وتعالى في الحديثِ القدسيِّ :" يَا عبادِي إنِّي حرَّمتُ الظُّلمَ على نفْسِي ؛ وجعلتُهُ بينَكُم ْمُحرَّماً : فَلا تَظالَمُوا " [ أخرجَهُ مسلمٌ مِنْ حديثِ أبي ذرٍّ الغفاريِّ ]


عباد الله

الظَّلَمَةُ والطُّغاةُ ؛يلعنُهُمْ مَنْ فِي الأرضِ ومَنْ فِي السَّماواتِ ، بَلْ تلعنُهُمْ جميعُ المخلوقاتِ ، حتَّى الحيتانُ فِي البحارِ ؛

والطيورُ فِي الأَوْكارِ ؛ والنَّمْل ُفوقَ ظُهورِ الأحجارِ ، قدْ نَامَ الظالمُ وأعينُ العبادِ ساهرةٌ فِي جُنَحِ الأسحارِ ،

تدعُو عليهِ الواحدَ القهَّارَ ، فإذا بدعوتِهِمْ تصعَدُ إلَى السَّماءِكأنَّها شَرارةٌ مِنَ النَّارِ ، قدْ كُشِفَ الحجابُ بينَها وبينَ العزيزِالغفَّارِ ،

فإذا بخطابِ الفرَجِ والحنينِ ، يُخالِطُ بَشاشةَ قلوبِ الـمُوقِنينَ :

وعِزَّتِي وجلالِي لأنْصُرَنَّكِ ولَوْ بعدَ حينٍ : ﴿ فَقُطِعَ دَابِرُ القَوْمِ الذِينَ ظَلَمُوا وَالحَمْدُ للهِ ربِّ العَالمَيِنَ ﴾ ﴿ الأنعام : 45 ﴾ .

لا تَظْلِمَـــــنَّ إذَا مَـا كُنْتَ مُقْتَدِراً...... فالظُّلْمُ آخِـرُهُ يُفْضـــي إلى النَّــدَمِ
واحْذَرْ أُخَيَّ مِنَ المَظْلُومِ دَعْوَتَهُ...... لاتَأْخُذَنْكَ سِـهَامُ الليلِ فِي الظُّلَمِ
تَنَـامُ عَيْنَاكَ وَالـمَظْلُـــــومُ مُنْتَبِهٌ...... يَدْعُــــــو عَلَيْـكَ وَعَيْنُ اللهِ لَمْ تَنَمِ
لا شَكَّ دعوةُ مظلومٍ تَحِـــــلُّ بِهَا ...... دارَ الهَـــــــوانِ ودارَ الذُّلِ والنِّقَـمِ


فهلْ عَمِيَتْ أبصارُ الظَّالمينَ ؛ وهلْ طُمِسَتْ بصائِرُ المُجرمينَ ؛ عنْ رُؤيةِ مَا فَعَلَهُ اللهُ تعالى بالأُمَمِ السَّالفينَ

: { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ العِمَادِ * التِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي البِلَادِ * وثَمُودَ الذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالوَادِ

* وفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتَادِ * الذِينَ طَغَوْا فِي البِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إنَّ رَبَّكَ لَبِالمِرْصَادِ } ( الفجر : 6 - 14 ) .

وهلْ صُمَّتْ آذانُ الظلمة عَنْ معرفةِ مصيرِ الطُّغاةِ الوَخِيمِ ؛ومُنقلَبِ العُتَاةِ الذَّميمِ

، الذي أَخْبَرَ اللهُ تعالى عنهُ فِي مُحْكَمِ الذِّكرِ الحكيمِ :

{ فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَاعَلِيهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ ولَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } ( العنكبوت : 40 ) .

فاسْألِ النَّاسَ والأوطانَ ، أينَ آثارُ المُلْكِ والسُّلطانِ

، تجِدِالجوابَ مُسطَّراً في القرآنِ :

{ كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * ونَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمَاً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلِيْهِمُ السَّمَاءُوالأَرْضُ ومَا كَانُوا مُنْظَرِينَ } ( الدخان : 25 - 29 )

قدْ أزَّتْهُمُ الكِبرياءُ إلى الطُّغيانِ أزاً ، ولَبِسُوا ثوبَ الـخُيَلاءِ ليكونَ لهُمْ عِزاً

،ولمْ يَعْتَبِرُوا بِمَنْ أهلكَ اللهُ تعالى قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ ؛ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزَاً .

فالعبيدُ ؛ ليسَ بينهُمْ وبينَ الحميدِ المجيدِ : حَسَبٌ ولا نَسَبٌ ؛ إلا مَا كانَ مِنْ صالحِ العمَلِ والسَّببِ ،

ألمْ يَسمعُوا إلَى قولِ ربِّ العالمينَ : { أَهُمْ خَيْرٌأَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ والذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوامُجْرِمِينَ } ( الدخان : 37 ) .

وواللهِ ؛ ثُمَّ واللهِ ؛ ثم والله؛ إنَّمَا حلَّ بالأُمَمِ السَّالِفةِ ؛ ومَا نَزَلَ بالقُرونِ الهالِكةِ التَّالفةِ

: قريبٌ مِمَّنْ شـــاكَلَ أوصافَهُمْ ؛ ومُوشــــِكٌ أنْ يَحِلَّ بِمَنْ حَاكَى أعرافَهُــــمْ

، كمَا قالَ اللهُ تعالَى : { فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَاعَالِيَهَا ســــَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُســَوَّمَةً عِنْـدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّلِمِينَ بِبَعِيدٍ }

عباد الله أقول ما تسمعون .....الخ

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمي ولي الصالحين ولا عدوان الا على الظالمين

والصلاة والسلام على امام المتقين وقائد الغر المحجلين

نبينا وحبيبنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين

أما بعد

عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله ومراقبته في السر والعلن

فمن اتقاه وقاه ومن توكل عليه كفاه ومن شكره زاده

وصلوا وسلموا رحمكم الله على من أمركم الله بالصلاة والسلاة عليه

قال الله عز وجل (ان الله وملائكته يصلون على النبي

يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما )

وقال صلى الله عليه وسلم ( من صلى علي صلاة صلى الله عيه بها عشرا ) ... الخ





 

رد مع اقتباس
قديم 04-30-2014   #11


الصورة الرمزية مفرح التليدي
مفرح التليدي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 948
 تاريخ التسجيل :  Jan 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (07:14 AM)
 المشاركات : 10,284 [ + ]
 التقييم :  28159
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: مدونة الخطب والدروس والفوائد الشرعيه





 

رد مع اقتباس
قديم 04-30-2014   #12


الصورة الرمزية مفرح التليدي
مفرح التليدي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 948
 تاريخ التسجيل :  Jan 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (07:14 AM)
 المشاركات : 10,284 [ + ]
 التقييم :  28159
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: مدونة الخطب والدروس والفوائد الشرعيه





 

رد مع اقتباس
قديم 04-30-2014   #13


الصورة الرمزية مفرح التليدي
مفرح التليدي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 948
 تاريخ التسجيل :  Jan 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (07:14 AM)
 المشاركات : 10,284 [ + ]
 التقييم :  28159
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: مدونة الخطب والدروس والفوائد الشرعيه





 

رد مع اقتباس
قديم 04-30-2014   #14


الصورة الرمزية مفرح التليدي
مفرح التليدي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 948
 تاريخ التسجيل :  Jan 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (07:14 AM)
 المشاركات : 10,284 [ + ]
 التقييم :  28159
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: مدونة الخطب والدروس والفوائد الشرعيه







شرح كتاب كشف الشبهات والأصول الستة


ترجمة المؤلف

شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب


نسبه‏:‏

هو الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن محمد بن أحمد بن راشد بن بريد بن محمد بن مشرف بن عمر من أوهبة بني تميم‏.‏

مولده‏:‏

ولد هذا العالم 1115 هجرية في بيت علم وشرف ودين، فأبوه عالم كبير وجده سليمان عالم نجد في زمانه‏.‏

نشأته‏:‏

حفظ القرآن قبل بلوغ عشر سنين، ودرس في الفقه حتى نال حظًا وافرًا، وكان موضع الإعجاب من والده لقوة حفظة، وكان كثير المطالعة في كتب التفاسير والحديث، وجد في طلب العلم ليلًا ونهارًا فكان يحفظ المتون العلمية في شتى الفنون، ورحل في طلب العلم في ضواحي نجد وفي مكة وقرأ على علمائها، ثم رحل إلى المدينة النبوية فقرأ على علمائها ومنهم العلامة الشيخ إبراهيم الشمري مؤلف العذب الفائض في شرح الفية الفرائض وعرفاه بالمحدث الشهير محمد حياة السندي فقرأ عليه في علم الحديث ورجاله وأجازه بالأمهات، وكان الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله تعالى ـ قد وهبه الله فهمًا ثاقبًا وذكاء مفرطًا، وأكب على المطالعة والبحث والتأليف، وكان يثبت ما يمر عليه من الفوائد أثناء القراءة والبحث وكان لا يسأم من الكتابة، وقد خط كتبًا كثيرة من مؤلفات ابن تيمية وابن القيم ـ رحمها الله ـ ولا تزال بعض المخطوطات الثمينة بقلمه السيال موجودة بالمتاحف‏.‏

ولما توفي والده أخذ يعلن جهرًا بالدعوة السلفية إلى توحيد الله وإنكار المنكر ويهاجم المبتدعة وغيرهم من المشركين، وقد شد أزره الولاء من آل سعود وقويت شوكته وذاع خبره‏.‏

مؤلفاته‏:‏

له ـ رحمه الله تعالى ـ مؤلفات نافعة نذكر منها‏:‏

الكتاب الجليل المفيد المسمى ‏"‏كتاب التوحيد‏"‏ ‏.‏

كشف الشبهات‏.‏

الكبــائــر‏.‏

مختصر الإنصاف والشرح الكبير‏.‏

مختصر زاد المعاد‏.‏

فتاوى ورسائل جمعت بإسم مجموعة مؤلفات الإمام محمد بن عبد الوهاب تحت إشراف جامعة الإمام محمد بن سعود‏.‏

وفاته‏:‏

وقد توفي رحمه الله تعالى عام 1206 هـ فرحمه الله رحمة واسعة وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء إنه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‏.‏




 

رد مع اقتباس
قديم 04-30-2014   #15


الصورة الرمزية مفرح التليدي
مفرح التليدي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 948
 تاريخ التسجيل :  Jan 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (07:14 AM)
 المشاركات : 10,284 [ + ]
 التقييم :  28159
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: مدونة الخطب والدروس والفوائد الشرعيه






شرح كشف الشبهات والأصول الستة (2)


ترجمة الشارح الشيخ محمد ابن الصالح بن عثيمين رحمه الله


اسمه ونسبه :
هو أبو عبد الله محمد بن صالح بن محمد بن سليمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن عبدالله بن عبدالرحمن بن أحمد بن مقبل من آل مقبل من آل ريِّس الوهيبي التميمي ، وجده الرابع عثمان أطلق عليه عثيمين فاشتهر به ، وهو من فخذ وهبه من تميم نزح أجداده من الوشم إلى عنيزة .
ومولده :
كان مولده في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك عام 1347هـ، في مدينة عنيزة - إحدى مدن القصيم- بالمملكة العربية السعودية.
وصفه :
قصير القامة معتدل الجسد ـ إلا في مرضه الأخير فقد هزل جدا ـ ذو لحية طويلة إلى صدره بيضاء ـ ما كان يحنيها ـ أبيض البشرة بشوش دائما طلق الوجه له نفس شاب وقد بلغ السبعين ،
نشأته العلمية:
تعلم الكتابة وشيئاً من الأدب والحساب والتحق بإحدى المدارس وحفظ القرآن عن ظهر قلب في سن مبكرة، وكذا مختصرات المتون في الحديث والفقه.
ثم درس على فضيلة الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي - رحمه الله –وقد توسم فيه شيخه النجابة والذكاء وسرعة التحصيل فكان به حفياً ودفعه إلى التدريس وهو لا يزال طالباً في حلقته.
ولما فتح المعهد العلمي بالرياض أشار عليه بعض إخوانه أن يلتحق به فاستأذن شيخه عبد الرحمن السعدي فأذن له فالتحق بالمعهد العلمي في الرياض سنة 1372هـ وانتظم في الدراسة سنتين انتفع فيهما بالعلماء الذين كانوا يدرسون في المعهد حينذاك ، ولتقى هناك بسماحة الشيخ عبدالعزيز ابن باز ـ رحمه الله ـ ويعتبر سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز شيخه الثاني في التحصيل والتأثر به .
وتخرج من المعهد العلمي ثم تابع دراسته الجامعية انتساباً حتى نال الشهادة الجامعية من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض.
شيوخه :
1. جده من جهة أمه عبد الرحمن بن سليمان الدامغ -رحمه الله- درس عليه القران الكريم .
2. فضيلة الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي ـ رحمه الله ـ ويعتبر الشيخ عبدالرحمن السعدي شيخه الأول الذي نهل من معين علمه وتأثر بمنهجه وتأصيله واتباعه للدليل وطريقة تدريسه .
3. سماحة الإمام العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله- فقرأ عليه في المسجد من صحيح البخاري ومن رسائل شيخ الإسلام بن تيمية وانتفع منه في علم الحديث والنظر في آراء فقهاء المذاهب والمقارنة بينها .
4. الشيخ محمد بن عبد العزيز المطوع -رحمه الله- .
5. قرأ على الشيخ عبد الرحمن بن علي بن عودان -رحمه الله- في علم الفرائض حال ولايته القضاء في عنيزة.
6. قرأ على الشيخ عبد الرزاق عفيفي -رحمه الله- في النحو والبلاغة أثناء وجوده في عنيزة.
7. الإمام العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي ـ رحمه الله ـ
8. الشيخ عبد العزيز بن ناصر بن رشيد ـ رحمه الله ـ
9. الشيخ عبد الرحمن الأفريقي.
10. قرأ على سماحة الشيخ عبدالله بن عقيل العقيل في الفقه وغيرهم.
زواجه :
تزوج ـ رحمه الله ـ ثلاث مرات الأولى : ابنة عمه بنت سليمان بن محمد العثيمين التي توفيت أثناء الولادة ، ثم تزوج بعد وفاتها من ابنة الشيخ عبدالرحمن بن الزامل العفيسان وظلت معه خمس سنوات لم ينجب منها فطلقها ثم تزوج بنت محمد بن إبراهيم التركي وهي أم أولادة ، ولم يجمع بين زوجتين .
أعماله ونشاطه العلمي:
* بدأ التدريس منذ عام 1370هـ في الجامع الكبير بعنيزة في عهد شيخه عبد الرحمن السعدي وبعد أن تخرج من المعهد العلمي في الرياض عين مدرساً في المعهد العلمي بعنيزة عام 1374هـ.
* وفي سنه 1376هـ توفي شيخه عبدالرحمن السعدي فتولى بعده إمامة المسجد بالجامع الكبير في عنيزة والخطابة فيه والتدريس بمكتبة عنيزة الوطنية التابعة للجامع والتى أسسها شيخه عام 1359هـ .
* ولما كثر الطلبة وصارت المكتبة لا تكفيهم صار يدرس في المسجد الجامع نفسه واجتمع إليه طلاب كثيرون من داخل المملكة وخارجها حتى كانو يبلغون المئات وهؤلاء يدرسون دراسة تحصيل لا لمجرد الاستماع - ولم يزل مدرساً في مسجده وإماماً وخطيباً حتى توفي -رحمه الله-.
* استمر مدرساً بالمعهد العلمي في عنيزة حتى عام 1398هـ وشارك في آخر هذه الفترة في عضوية لجنة الخطط ومناهج المعاهد العلمية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وألف بعض المناهج الدراسية.
* ثم لم يزل أستاذاً بفرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالقصيم بكلية الشريعة وأصول الدين منذ العام الدراسي 1398-1399هـ حتى توفي -رحمه الله-.
* درّس في المسجد الحرام والمسجد النبوي في مواسم الحج وشهر رمضان والعطل الصيفية.
* شارك في عدة لجان علمية متخصصة عديدة داخل المملكة العربية السعودية.
* ألقى محاضرات علمية داخل المملكة وخارجها عن طريق الهاتف.
* تولى رئاسة جمعية تحفيظ القرآن الكريم الخيرية في عنيزة منذ تأسيسها عام 1405هـ حتى وفاته -رحمه الله-
* كان عضواً في المجلس العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية للعامين الدراسيين 1398 - 1399 هـ و 1399 - 1400 هـ.
* كان عضواً في مجلس كلية الشريعة وأصول الدين بفرع الجامعة بالقصيم ورئيساً لقسم العقيدة فيها.
* كان عضواً في هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية منذ عام 1407هـ حتى وفاته -رحمه الله-
وكان بالإضافة إلي أعماله الجليلة والمسؤوليات الكبيرة حريصاً على نفع الناس بالتعليم والفتوى وقضاء حوائجهم ليلاً ونهاراً حضراً وسفراً وفي أيام صحته ومرضه -رحمه الله تعالى رحمة واسعة-
كما كان يلزم نفسه باللقاءات العلمية والاجتماعية النافعة المنتظمة المجدولة كما سبق ذكرها .فكان يعقد اللقاءات المنتظمة الأسبوعية مع قضاة منطقة القصيم وأعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في عنيزة ومع خطباء مدينة عنيزة ومع كبار طلابه ومع الطلبة المقيمين في السكن ومع أعضاء مجلس إدارة جمعية تحفيظ القران الكريم ومع منسوبي قسم العقيدة بفرع جامعة الإمام بالقصيم.
وكان يعقد اللقاءات العامة كاللقاء الأسبوعي في منزله واللقاء الشهري في مسجده واللقاءات الموسمية السنوية التي كان يجدولها خارج مدينته فكانت حياته زاخرة بالعطاء والنشاط والعمل الدؤوب وكان مباركا في علمه الواسع أينما توجه كالغيث من السماء أينما حل نفع.
أعلن فوزه بجائزة الملك فيصل العالية لخدمة الإسلام للعام الهجري 1414هـ وذكرت لجنة الاختيار في حيثيات فوز الشيخ بالجائزة ما يلي:-
أولاً : تحليه بأخلاق العلماء الفاضلة التي من أبرزها الورع ورحابة الصدر وقول الحق والعمل لمصلحة المسلمين والنصح لخاصتهم وعامتهم.
ثانيا ً : انتفاع الكثيرين بعلمه تدريساً وإفتاءً وتأليفاً.
ثالثاً : إلقاؤه المحاضرات العامة النافعة في مختلف مناطق المملكة.
رابعاً : مشاركته المفيدة في مؤتمرات إسلامية كبيرة.
خامساً: اتباعه أسلوباً متميزاً في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وتقديمه مثلاً حياً لمنهج السلف الصالح فكراً وسلوكاً.
ولقد آتاه الله سبحانه وتعالى ملكة عظيمة لاستحضار الآيات والأحاديث لتعزيز الدليل واستنباط الأحكام والفوائد فهو في هذا المجال عالم لا يشق له غبار في غزارة علمه ودقة استنباطه للفوائد والأحكام وسعة فقهه ومعرفته بأسرار اللغة العربية وبلاغتها.
أمضى وقته ـ رحمه الله ـ في التعليم والتربية والإفتاء والبحث والتحقيق ولـه اجتهادات واختيارات موفقة ، لم يترك لنفسه وقتاً للراحة حتى إذا سار على قدميه من منزله إلى المسجد وعاد إلى منزله فإن الناس ينتظرونه ويسيرون معه يسألونه فيجيبهم ويسجلون إجاباته وفتاواه.
كان للشيخ -رحمه الله- أسلوب تعليمي رائع فريد فهو يسأل ويناقش ليزرع الثقة في نفوس طلابه ويلقي الدروس والمحاضرات في عزيمة ونشاط وهمة عالية ويمضي الساعات يلقي دروسه ومحاضراته وفتاواه بدون ملل ولا ضجر بل يجد في ذلك متعته وبغيته من أجل نشر العلم وتقريبه للناس.
ويعتنى بتوجيه طلبة العلم وإرشادهم واستقطابهم والصبر على تعليمهم وتحمل أسئلتهم المتعددة والاهتمام بأمورهم.
وأخيراً توجت جهوده العلمية وخدمته العظيمة التي قدمها للناس في مؤلفاته العديدة ذات القيمة العلمية من كتب ورسائل وشروح للمتون العلمية طبقت شهرتها الآفاق وأقبل عليها طلبة العلم في أنحاء العالم وقد بلغت مؤلفاته أكثر من تسعين كتاباً ورسالة ثم لا ننسى تلك الكنوز العلمية الثمينة المحفوظة في أشرطة الدروس والمحاضرات فإنها تقدر بآلاف الساعات [2] فقد بارك الله تعالى في وقت هذا العالم الجليل وعمره نسأل الله تعالى أن يجعل كل خطوة خطاها في تلك الجهود الخيرة النافعة في ميزان حسناته يوم القيامة.
ملامح من مناقبه وصفاته الشخصية:
كان الشيخ رحمه الله تعالى قدوة صالحة وأنموذجاً حياً فلم يكن علمه مجرد دروس ومحاضرات تلقى على أسماع الطلبة وإنما كان مثالاً يحتذى في علمه وتواضعه وحلمه وزهده ونبل أخلاقه.
تميز بالحلم والصبر والجلد والجدية في طلب العلم وتعليمه وتنظيم وقته والحفاظ على كل لحظة من عمره كان بعيداً عن التكلف وكان قمة في التواضع والأخلاق الكريمة والخصال الحميدة وكان بوجهه البشوش اجتماعياً يخالط الناس ويؤثر فيهم ويدخل السرور إلى قلوبهم ترى السعادة تعلو محياه وهو يلقي دروسه ومحاضراته - رحمه الله تعالى - كان حريصاً على تطبيق السنة في جميع أموره.
كان رحمه الله عطوفاً مع الشباب يستمع إليهم ويناقشهم ويمنحهم الوعظ والتوجيه بالرفق واللين والإقناع .
ومن ورعه أنه كان كثير التثبت فيما يفتي ولا يتسرع في الفتوى قبل أن يظهر له الدليل فكان إذا أشكل عليه أمر من أمور الفتوى يقول : انتظر حتى أتأمل المسألة، وغير ذلك من العبارات التي توحي بورعه وحرصه على التحرير الدقيق للمسائل الفقهية.
لم تفتر عزيمته في سبيل نشر العلم حتى أنه في رحلته العلاجية إلي الولايات المتحدة الأمريكية قبل ستة أشهر من وفاته نظم العديد من المحاضرات في المراكز الإسلامية والتقى بجموع المسلمين من الأمريكيين وغيرهم ووعظهم وأرشدهم كما أمهم في صلاة الجمعة.
وكان يحمل هم الأمة الإسلامية وقضاياها في مشارق الأرض ومغاربها وقد واصل -رحمه الله تعالى- مسيرته التعليمية والدعوية بعد عودته من رحلته العلاجية فلم تمنعه شدة المرض من الاهتمام بالتوجيه والتدريس في الحرم المكي حتى قبيل وفاته بأيام.
أصابه المرض فتلقى قضاء الله بنفس صابرة راضية محتسبة، وقدم للناس نموذجاً حياً صالحاً يقتدي به لتعامل المؤمن مع المرض المضني، نسأل الله تعالى أن يكون في هذا رفعة لمنزلته عند رب العالمين.
كان رحمه الله يستمع إلى شكاوى الناس ويقضي حاجاتهم قدر استطاعته وقد خصص لهذا العمل الخيري وقتاً محدداً في كل يوم لاستقبال هذه الأمور وكان يدعم جمعيات البر وجمعيات تحفيظ القرآن بل قد من الله عليه ووفقه لجميع أبواب البر والخير ونفع الناس فكان شيخناً بحق مؤسسة خيرية اجتماعية وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
طلابه :
هم بحمد الله كثيرون سواء من تلقى عنه مباشرة وهؤلاء إما طال بهم المقام أو قصر سواء في القصيم ـ الجامع والجامعة ـ أو في الحرم المكي ، أو عن طريق الكتب والأشرطة ، وكثير من طلاب العلم يقدمون كتب الشيخ وأشرطته لغزارة ما يلقي من العلم ولتجرده للدليل ، ولحسن أسلوبه في التعليم ولا أعرف أحدا يباريه في التدريس [3]. وقد بلغ الشيخ وليد الحسن بطلاب الشيخ 74 طالبا وهؤلاء أكثر الطلاب ملازمة للشيخ ، وذكر من القضاة 18 قاضيا وقرأ فيها : الطرق الحكمية لإبن القيم ثم كتاب الوقف والوصايا من الإقناع للحجاوي ثم كتاب إعلام الموقعين لإبن القيم وتمت هذه الكتب إلا عشر صفحات من الإعلام لمرض الشيخ ـ رحمه الله ـ، وذكر من أساتذة الجامعة 25 أستاذا وقرأ فيها : حادى الأرواح لإبن القيم ، وذكر من خطباء الجوامع 21 خطيبا وقرأ فيها : زاد المعاد ، وذكر من أعضاء الحسبة 40 عضوا وقرأ فيها كتاب الحسبة لشيخ الإسلام .
ومنهم :
1. الدكتور إبراهيم بن علي العبيد .
2. الدكتور أحمد بن عبدالرحمن القاضي ، وهو شيخ نبيل الخلق كريم السجايا .
3. الدكتور أحمد بن محمد الخليل .
4. الشيخ خالد بن عبدالله المصلح ، زوج بنت الشيخ .
5. الدكتور خالد بن عبدالله المشيقح .
6. الشيخ سامي بن محمد الصقير ، وهو زوح بنت الشيخ .
7. الأمير الدكتور عبدالرحمن بن سعود الكبير آل سعود .
8. الأستاذ الدكتور عبدالله بن محمد الطيار ، كان يطلق عليه سماحة الإمام عبدالعزيز ابن باز العلامة .
9. الشيخ محمد بن سليمان السلمان .
10. وليد بن أحمد الحسين .
11. شيخنا القاضي الشيخ صالح بن عبدالله بن عبدالكريم الدرويش [4] ، وهو من خيرة من رأيت من الناس في بذل نفسه وجاهه ووقته في الدعوة إلى الله تعالى ، فنعم العالم والداعية والمربي هو .
12. الدكتور ناصر بن عبدالله القفاري [5].
وهم أكثر بكثير
مؤلفاته :
بلغ بها الشيخ وليد الحسن 115 مؤلف بين كتاب صغير ومجلدات كبيرة وهي :
1. مجموع فتاوى الشيخ ، ويحوى المجموع حسبما أمر الشيخ كل مؤلفات الشيخ التي تبلغ مجلدين فأقل ، وبلغت خمسة عشر مجلد وقد تصل إلى ثلاثين مجلدا .
2. تخريج أحاديث الروض المربع . لم يطبع
3. الشرح الممتع على زاد المستقنع ، وهو أكبر مؤلفات الشيخ وأكثرها نفعا وفيها يظهر دقة علم الشيخ وقد يصل إلى ستة عشر مجلد .
4. فتاوى منار الإسلام . ثلاث مجلدات
5. نيل الأرب من قواعد ابن رجب . لم يطبع
6. القواعد المثلى . وهو من كتب الصفات الجيدة
7. القول المفيد على كتاب التوحيد . ثلاث مجلدات
8. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام .
9. شرح العقيدة الواسطية . مجلدان
10. شرح رياض الصالحين . سبع مجلدات
عقبه :
الذكور : خمسة هم
1. عبدالله : موظف في جامعة الملك سعود .
2. عبدالرحمن : ضابط في وزارة الدفاع .
3. إبراهيم : ضابط في الحرس الملكي .
4. عبدالعزيز : ضابط في الجوازات .
5. عبدالرحيم : موظف في الخطوط السعودية .
ولم يطلب العلم أحد من أبناءه عليه ـ رحمه الله ـ ، وله ثلاث بنات تزوجتْ ثنتان منهم باثنين من طلابه وهما الشيخ سامي الصقير والشيخ خالد المصلح .
مواقف للشيخ :
دخل على الشيخ ـ رحمه الله ـ صبي دون السادسة من عمره وهو بين طلابه وأمسك بيده وقال : أبي يريد السلام عليك قبل سفره فلاطفه الشيخ والطفل آخذ بيده حتى بلغ به والده فتعجب من هذا الخلق النبيل .
ركب الشيخ مع أحد محبيه وكانت سيارة الرجل كثيرة الأعطال فتوقفت فيهم أثناء الطريق فنزل الشيخ وقال للرجال : أنت ابق مكانك وأنا أدفع السيارة !! فدفعها ـ رحمه الله ـ حتى تحركت بهم .
ويحكي لي مدير المعهد العلمي في عنيزة سابقا فيقول : احتجت مبلغ من المال فاقترضت من الشيخ ـ رحمه الله ـ وذكرت له أنني محتاج المبلغ لأنني سأسافر للرياض فقال لي : بي رغبة بالسفر للرياض هل تأخذني معك ؟ ، فأخذته معي وكانت المواصلات صعبة في تلك الفترة ، فلما وصلنا أصر الشيخ على دفع مبلغ مقابل السفر ، فرفضت بشدة فقال : لو أنني ما أقرضتك لكان الأمر هينا ولكن أخشى أن يكون قرضا جر نفعا !! .
لي مع الشيخ ـ رحمه الله ـ موقف واحد وهو عندما طلبت منه الإذن بطباعة هذا الكتاب وكان ذلك في منزل سماحة شيخنا الشيخ عبدالله ابن عقيل ، فقال الشيخ ـ رحمه الله ـ : لا مانع لدي سأقدم لك على أن تطبعه مفردا ، فقلت له : كما تحب يا شيخ ، فمسك يدي ولفها للخلف وهو يتبسم ضاحكا وقال : أكيد ، فقلت : أكيد ... أكيد، فرحمه الله من أب شفيق ومعلم رحيم ومرب ودود .
وفاته رحمه الله تعالى:
رزئت الأمة الإسلامية جميعها قبيل مغرب يوم الأربعاء الخامس عشر من شهر شوال سنة 1421هـ بإعلان وفاة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين بمدينة جدة بالمملكة العربية السعودية وصلى على الشيخ في المسجد الحرام بعد صلاة العصر يوم الخميس السادس عشر من شهر شوال سنة 1421هـ الآلاف المؤلفة وشيعته إلي المقبرة في مشاهد عظيمة لا تكاد توصف ثم صلي عليه من الغد بعد صلاة الجمعة صلاة الغائب في جميع مدن المملكة و في خارج المملكة جموع أخرى لا يحصيها إلا باريها، ودفن بمكة المكرمة رحمه الله رحمة واسعة .
نسأل الله تعالى أن يرحم شيخنا رحمة الأبرار ويسكنه فسيح جناته وأن يغفر له و يجزيه عما قدم للإسلام والمسلمين خيراً ويعوض المسلمين بفقده خيراً والحمد لله على قضائه وقدره وإنا لله وانا إليه راجعون وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين .


قيل في الشيخ ـ رحمه الله ـ مراثي كثيرة اخترت منها هذه المرثية وهي : للأستاذ سلمان بن زيد الجربوع .

لحظةً لا تغب,, وجوه الليالي *** كاسفات، تفيض حزناً وثكلا
وحناياك روضة من رياض الذكر *** أشهى من أن تمل وأحلى
وفتاواك في شفاه المريدين *** اشتياق على المشوقين يملى!
ومصلّاك ضارع يتلوّى *** هل تناهى إليك شوق المصلى؟
لو رأيت القصيم في حلة العرس *** كئيباً,, يصيح بالنعش,, مهلا
وحواليه من بنيه جموع *** تزرع الأفق ياسميناً وفلا
كان يزدان للقاء بيوتاً *** وحقولاً,, طفلاً غريراً وكهلا
وتغنت بك البطاح ربيعاً *** أنت أشهى منه مراحاً وظلا
كلهم كان في انتظارك,, عيناً *** تتملى، وخاطراً يتسلى
يتنادى بك المدى فننادي *** طائرات القدوم (أهلاً وسهلا)
القصيم الذي عهدت حنينٌ *** يغتلي حرقة ويلتاع وبلا
كلنا كان بين مد وجزر *** وحبال القضاء تفتل فتلا
ها هنا اصطفت القلوب تناغي *** أملاً من كوى الغيوب أطلا
لفنا باليقين برداً ونوراً *** ونمانا لسدرة الحب أصلا
ودعانا لعالم من مجالي الخلد *** أغلى من أن ينال وأعلى
عالم مبهر، فلم تر عين *** قبله مثله دياراً وأهلا
وتراءى لنا على البعد طيف *** أي حسن بدا ونور تجلى؟!
إنه حسنه المهيب ووجه *** يستثير الرؤى جلالاً ونبلا
أهنا يرقد الحبيب ملما *** بشتات العلم السني مدلا؟!
أهنا يرقد الحبيب,, أفيقي *** يا يد الحلم، فالجمال تدلى
أهنأ يرقد الحبيب,, فهلا *** طفت شعراً على مغانيه هلا
قال: قد رُمت وصفه قلت: من لي؟ *** قال: وفيت حقه، قلتُ: كلا
واستفقنا، فمُ الزمان رثاء *** يُهجر الأنس في ذراه ويُقلى
والعثيمين رحلة ما توانت *** تملأ الخافقين علماً وبذلا
والعثيمين صفحة من كتاب *** في يد الموت قد طواها، وولّى
والدُّنا دمعة تعزي زماناً *** كنت فيه السفر العظيم الأجلا!
شفك السقم يا طهور السجايا *** واحتوتك الدروب وعراً وسهلا
وتساميت راضياً مطمئناً *** ينبت البؤسُ في شفاهك فألا
ثابت القلب في يمينك سيف *** من يقين يفل سقمك فلاا
ياخدين العلوم لُحت رياضاً *** تتمشى نهراً وتختال نخلا
كنت تتلو الصباح غضاً ندياً *** ما عرفت الصباح قبلك يتلى
والليالي تنام في صدرك الرحب *** فليست تحس حقداً وغلا
ضمك الليل عالماً من خشوع *** يغسل القلب في مجاليه غسلا
أين لا اين دمعةٌ منك تروي *** عطش القلب، كم شكا القلب محلا
اين لا أين حلقة منك تشفي *** علة العقل، كم شكا العقل جهلا
قد فقدناك، والأماني انتظار *** فالمساءات بالمسرات حبلى


------------------------

[1] للشيخ تراجم مفردة وتراجم مع غيره من العلماء والذي وقفت عيها هي من المفردة : ابن عثيمن الإمام الزاهد للدكتور ناصر الزهراني ، صفحات مشرقة في حياة الشيخ محمد ابن عثيمن لإحسان العتيبي ، الجامع لحياة العلامة محمد بن صالح العثمين لوليد الحسن ، أما مع غيره : علماؤنا 42 ، مجلة الحكمة العدد :2 .
[2] الجامع لحياة الشيخ ، وليد الحسن ، 154
[3] ومن اراد المزيد فليراجع ما خطه وليد الحسن في ترجمة الشيخ ، 72 .
[4] وهو الذ اقترح على الشيخ ـ رحمه الله ـ عقد لقاء خاص بالقضاة ، كما ذكر لي فضيلته وذكر ذلك وليد الحسن . 115
[5] قال وليد الحسن : ( الشيخ سليمان بن ناصر العلوان من أبرز المتخصصين بعلم الحديث في منطقة القصيم وليس من تلاميذ شيخنا أبي عبدالله العثيمين ـ رحمه الله ـ وكان الشيخ يسأله عن بعض الأحاديث ، وطلب الشيخ منه أن يوافيه بكل ملحوظاته عن كتبه ومنها شرح كتاب التوحيد ) !!! 86 .، وذكر لي الشيخ سليمان الفهيد مدير مركز الدعوة والإرشاد والأوقاف بحفر الباطن أنه حمل بعض أسئلة الشيخ محمد ـ رحمه الله ـ في الحديث للشيخ سليمان العلوان ثم حمل رد الشيخ سليمان . ذكره يوم السيت الموافق 28/7/1423هـ






 

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مدونة, الدروس, الشرعيه, والفوائد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
إجمعو الحطب .. فزاع "•||"قطوف من الحكمة وبحـر الحكايا.".~. 8 07-01-2020 08:38 AM
عادي..طاح الحطب..وحلوه الحياه البارونة - مسـاحةُ بِلا حُدود" 11 07-09-2011 11:50 PM
طاح الحطب وحلوة الحياة انثى استثنائية - مسـاحةُ بِلا حُدود" 2 04-30-2011 11:10 AM
عادي........طاح الحطب.......... و حلوة الحياة ابو سفيان - "شُطْــــآنُ الْبَوْحِ" 6 06-01-2009 04:44 AM


الساعة الآن 06:22 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
استضافه ودعم وتطوير وحمايه من استضافة تعاون