القول الصائب في لبس المرقب والعصائب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه
اطلعت على بعض ما قيل عن لبس الشباب للألبسة الشعبية التراثية التي نشرت في بعض المواقع الكترونية ، وعبر التواصل الاجتماعي ما بين مادح وقادح ، وقد حرك عندي ما اطلعت عليه الرغبة في المشاركة في الموضوع لأنه موضوع حيوي ، وسوف يكون رأيي مستمدا من الحكم الشرعي حسب فهمي للنصوص الشرعية التي وردت في اللباس ، وحسب رأيي النظري ، والقصد من المشاركة هي إثراء الموضوع من أجل الفائدة والتوجيه لا من أجل النقد لذاته ، مع أن النقد الإيجابي مفيد إذا اجتنب التجريح الشخصي ، أو الجماعي ، وتوقف على المشاركة بالرأي فقط .

الأصل في حكم اللباس

يجمع الناس كافة على مختلف أديانهم ومعتقداتهم على أن اللباس له وظيفتان : الوظيفة الأولى ستر العورة بالدرجة الأولى ، أو ستر الجسم بصفة عامة ، الوظيفة الثانية الزينة ، وهذا ما نصت عليه الآية الكريمة في قول الله تعالى : يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم ، وريشا ، ولباس التقوى ذلك خير . ) الآية [ 26 ] الأعراف . فالأصل في اللباس التستر به أو لزينة ، وهو مباح في الشريعة لهذا القصد ، يقول الله تعالى : قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ، قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ، كذلك نفصل الآياتي لقوم يعلمون ) الآية [ 32 ] سورة الأعراف ، وقوله تعالى : يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد ، وكلوا واشربوا ، ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) الآية [ 31 ] سورة الأعراف ، فحكم اللباس في الشرع من حيث اللون وطريقة لبسه هي الإباحة المطلقة ، وقد يؤثر في حكمه فيما لا نص فيه من الشارع العرف السائد في المجتمع ، وأحوال الناس المادية ، وظروف الزمان والمكان ، حال الطقس من حيث البرودة والحرارة ، وعادات الناس وأعرافهم في الأمور الشكلية ، وما حظر شرعا من اللباس محدود جدا ، وقد يرد الحظر للباس لأسباب دينية أو اجتماعية مثل ذلك ما يلي :
أولا ـ ما ورد النص الشرعي لتحريمه على الرجال كتحريم لبس الحرير ، فعن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تلبسوا الحرير ، فإن من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة . متفق عليه ، وعنه ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنما يلبس الحرير من لا خلاق له . متفق عليه .
ثانيا ـ ما ورد النهي عنه لكونه زيا خاصا بالكفار بحيث لو لبسه المسلم لظن أنه من الكفار كالطاقية اليهودية ، والصليب الظاهر الذي هو شعار النصارى ، فعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من تشبه بقوم فهو منهم . رواه أبو داود ، ورواه الطبراني في الأوسط عن حذيفة ، قال الألباني حديث حسن .
ثالثا ـ لبس الرجل لباسا تختص بلبسه المرأة ، وكذلك العكس بالنسبة للمرأة ، ويدخل في هذا قصاة الشعر ، ولبس السلاسل والخواتم على طريقة لبس النساء لحديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لعن الله الرجل يلبس لبسة المرأة ، والمرأة تلبس لبسة الرجل . رواه أبو داود والحاكم في مستدركه قال الألباني : حديث صحيح .
رابعا ـ النهي عن لبس شكل معين في موقف معين كالنهي عن لبس المخيط بالنسبة للرجل المحرم ، وكذلك الخمار والقفازين بالنسبة للمرأة المحرمة بالحج أو العمرة ، وكذلك نهي المرأة عن لباس الزينة حال عدتها لوفاة زوجها .
خامسا ـ ينبغي اجتناب اللبس الذي يعتبر مظهرا مميزا لفئة معينة تعرف بالفسق والميوعة ، أو يكون رمزا لفئة منحرفة فكريا خارجة عن الجماعة ، يجتنب هذا اللبس لا لكونه محرما لذاته ، بل لكونه يدل على عدم الاستقامة ، وحتى لا يتهم من لبسه من أنه ينتمي لهذه الجماعة أو تلك ، ويدل على حظره لهذا السبب حديث من تشبه بقوم فهو منهم .
سادسا ـ النهي عن لباس الشهرة ، وهو ما فيه مغايرة ومخالفة لما اعتاد عليه عموم الناس في المجتمع من حيث شكله أو لونه وطريقة لبسه ، روى الطبراني في الكبير عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبستين : المشهورة في حسنها ، والمشهورة في قبحها . قال الألباني : حديث ضعيف .
ما عدى هذه الأشياء والأحوال فالأصل فيها الإباحة المطلقة .

نأتي لمثير هذا الموضوع وهو لبس الشباب في استعراض للتراث الماضي

ــــــــــــــــــــــــــ

كان المثير لكتابتي هذا الموضوع هو ما قرأته في بعض المواقع الكترونية ، وعبر التواصل الاجتماعي من نقد لبس بعض الشباب للألبسة الشعبية في مناسبات استعراضية معينة بقصد تذكير الناس بما كان عليه الأباء والأجداد ، ومع أن الصورة التي ظهروا بها قد تختلف كثيرا عما كان عليه الآباء والأجداد لما فيها من المبالغة بسبب توفر النعمة في وقتنا الحاضر ، واختلاط الأمر عليهم مع لبس بعض المجتمعات الأخرى مما كان سببا للنقد ، ورب الإنكار .
لذا : ومع استصطحابي للأصل الذي ذكرته آنفا ، وهو أن الأصل في اللباس الإباحة ، ومع تقديري للهدف المقصود من لبس الشباب لهذا اللباس في تلك المناسبة الاستعراضية ، وهو إظهار تراث الآباء والأجداد حسب رأيهم للتذكير بما كان عليه حال الناس في الماضي وبما أصبحوا عليه في حاضرنا الزاهر فالموضوع في نظري هو عرض للتمثيل والتقريب لما كان ليس إلا لتراث يفتخر به الأبناء ، مثلهم في ذلك مثل الأشياء التراثية الأخرى في البيوت ، والآنية ونحو ذلك ، فهي صور تقريبية للاستعراض والتذكير بالماضي ، وإذا كان هذا هو الهدف ، وكان في موقف عرض للتراث في مناسبة خاصة معينة ، فلست أرى في ذلك محظورا من الناحية الشرعية ، بل فيه تسلية وترويح عن النفس ، وإشباع لرغبات الشباب في استذكار الماضي وأحوال الناس فيه ، لكن لو لبسه الشاب في المجتمعات العامة كالأسواق والمساجد ، وللذهب إلى العمل في المدرسة والجامعة والوظيفة فلا يصح ذلك ولا يجوز لمخالفته العرف السائد في المجتمع .
لكن الذي أنقده على شبابنا ولا أرتضيه
لكن الذي لا أرضاه ولا أستحسنه من شبابنا تلك التقليعات والظواهر الشاذة في اللبس والزينة ، وقصة الشعر التي فيها تقليد أعمى ، ولا تنم عن اعتزاز بالقيم الدينية ، والأخلاق والعادات الأصلية في مجتمعه ، بل تنم عن فقدان الذات وفساد الذوق والطبع ، والإعجاب بما يوجب العجب ، ويجلب لصاحبه النظرات المزرية المحتقرة له ، والاستخفاف بسلوكه وعقله ، وهو بذلك التقليد الأعمى يفقد الاحترام والتقدير من الأسوياء في المجتمع ، وهو تقليد لا زال أصحابه قلة ـ لا كثرهم الله ـ وهم يمارسون هذا التصرف على خجل تشعر بذلك حين يقابل ذلك المنحرف الناس الملتزمين حيث يقابلهم بنفس منكسرة ذليلة خجولة يطأطئ بنظره إلى الأرض من فرط انكسار نفسه وخجله ، ومن تلك المظاهر الشاذة ما يلي :
أولا ـ قصة الشعر التي يتعمد بعض الشباب من إسدال خصلات من شعر رأسه على جبينه ، أو على وجنتيه ، وبعضهم يجعل شعره ضفائر خلف رأسه وربما ثبتها بمساكات الشعر كالبنات تماما ، وبعضهم يوفر رأسه عشوائيا بدون ذوق ولا نظام ، وقد ينفش شعره ، ويطلقون صفات معينة على تلك التقليعة ( كدش ) فهذا التصرف يخالف الذوق السليم والشرع الحنيف ، ولا يليق بشاب يعتز بدينه ويحرص على سمعته .
ثانيا ـ بعض الشباب يلبس لباسا رقيقا يشف عما ينبغي ستره ، أو يصف أعضاءه بسبب ضيقه وطريقة تفصيله ، وهو بذلك يخالف الذوق الاجتماعي والنصوص الشرعية .
ثالثا ـ وبعض الشباب يلبس سراويل قصيرة إن ستر بها ركبتيه ظهرت سوأته وسرته وما حولها ، وإن ستر سرته وما حوله ظهرت ركبتاه ، وقد يذهب بهذا للصلاة وإلى السوق ، ومعلوم أن حد عورة الرجل من السرة إلى الركبة ، وتدخل السرة والركبة في العورة ، وستر العورة في الصلاة وفي الطواف شرط لصحة الصلاة والطواف ، ولو انكشفت سرته أو ركبته فصلاته باطلة وغير صحيحة ، وستر العورة بصفة عامة مطلوب شرعا في صلاة وغيرها .
رابعا ـ بعض الشباب يلبس ألبسة فيها رسوم وأشكال قد تكون رموزا لمعتقدات بعض الكفار ، أو تكون عليها كتابات فيها سب وشتم مقصود يجهل معناه .
خامسا ـ بعض الشباب يحب التقليد الأعمي فيلبس خواتم خلاف المعتاد ، أو حلقات ، أو سلاسل بيديه أو عنقه لأنه رأى فنانا أو منحرفا فعل ذلك فقلده ، وهذا يخالف الذوق والشرع ، وإن كانت من الذهب أو الفضة فلبسها محرم مزدوج لأن الرجل لا يجوز له لبس الذهب والفضة ما عدى خاتم الفضة المعتاد عرفا ، والأدهى في الأمر وأمر إذا كانت تشتمل على رموز لمعتقدات الكفار كالصليب ونحوه ، وهذا التقليد منهي عنه شرعا لأن فيه تشبها بالكفار .

خلاصة القول

خلاصة القول أن اللباس تحكمه النصوص الشرعية ، والذوق السليم ، والعرف السائد في المجتمع ، وقد يكون اللباس في أصله مباحا ، أو مشروعا لكن العرف السائد في المجتمع يراه رمزا لشيء معين لا يليق ، أو شعارا لفئة معينة لا يصح تقليدها فحينئذ لا يليق هذا اللبس وهذا الزي ، ولو كان في أصله مباحا لهذا السبب الذي يرفضه المجتمع ، ولتوضيح الأمر أضرب لكم أمثلة بألبسة وأزياء كانت مباحة ومشروعة ، وأصبحت في عرف المجتمع في وقتنا الحاضر منكرة وغير لائقة :
أولا ـ العمامة أصلها مباحة ، والرسول صلى الله عليه وسلم لبس العمامة ، والصحابة والسلف لبسوها ، وقد ورد في الفقه أو صافا لها وأحكاما تتعلق بها كالمسح عليها عند الوضوء ، هذا الأصل الثابت أصبح في العرف السعودي الحاضر غير صالح وغير لائق ، فلو أن مسئولا كوزير ، أو أمير ، أو مدير ، أو قاض ، أو مدرس ، أو إمام مسجد أو حتى موظف عادي ( حكر ) تلك العمامة على رأسه على الكيفية المعهودة ثم ذهب إلى عمله الرسمي هل يصح ويقبل منه ذلك عرفا وواقعا . ؟ ، طبعا لا ولو حصل لقيل عنه : إنه اختل عقليا ، أو انحرف فكريا ، وقد يفقد مكانته الاجتماعية وربما وظيفته .
ثانيا ـ ورد النهي عن إسبال الثياب وأن ما كان تحت الكعب هو في النار ، وذكر الفقهاء بأن الأنسب في الإزار ونحوه أن يكون من منتصف الساق ، فلو أن مسئولا من المسئولين المذكورين في الفقرة أعلاه رفع قميصه إلى منتصف ساقه وذهب إلى عمله الرسمي فماذا تتوقع يقول عنه الناس . ؟ ، يقولون : إنه اختل عقليا ، أو انحرف فكريا .
ثالثا ـ كان توفير شعر الرأس إلى المنكبين أو شحمة الأذنين وتسريحه على شقي الرأس ، وفرقه من مقدمة الرأس كان ذلك مشروعا ، وعرفا معروفا لا ينكر على من فعل ذلك ، لكن لو أن أحد المسئولين في الفقرة الأولى أعلاه فعل ذلك في وقتنا الحاضر وذهب إلى عمله الرسمي ، أو خرج في المجتمعات العامة كاصلاة والأسواق هل يصح منه ذلك . ؟ ، إنه سيقال عنه : إنه اختل عقليا ، أو انحرف فكريا .
إذا : فاللباس يحكمه الشرع والذوق السليم ، والعرف السائد في المجتمع ، ولا ينبغي للإنسان أن يخالف ما ألفه المجتمع ، ولو كان في أصله مشروعا ، والله الموفق والهادي إلى الصواب ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
حرر في 15 / 7 / 1434 هـ مكة المكرمة .
كاتبه الفقير إلى الله

د/ سليمان بن قاسم الفيفي

أخي تميم ,.., أشكرك على نقل هذا الدرس الوافي.

بارك الله فيك.

تقرير كامل وشافي عن حكم اللباس
بارك الله فيكـ وأثابكـ يابعدي
أمير الذوق

جزاك الله كل خير على الطرح الرآئـــــع
جعــــله المــــولى في ميزآن حســــــناتك..