عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 10-06-2010
أبوفيصل غير متواجد حالياً
Saudi Arabia     Male
SMS ~ [ + ]
إلى أحبتي أعضاء شبكة ومنتديات قبائل آل تليد
لكم شكري وعظيم امتناني وتقديري واحترامي

أبوفيصل
اوسمتي
لوني المفضل Gold
 رقم العضوية : 2
 تاريخ التسجيل : Dec 2008
 فترة الأقامة : 5606 يوم
 أخر زيارة : 12-14-2020 (07:40 PM)
 العمر : 38
 الإقامة : الجبيل الصناعية
 المشاركات : 3,987 [ + ]
 التقييم : 33699
 معدل التقييم : أبوفيصل سمته فوق السحابأبوفيصل سمته فوق السحابأبوفيصل سمته فوق السحابأبوفيصل سمته فوق السحابأبوفيصل سمته فوق السحابأبوفيصل سمته فوق السحابأبوفيصل سمته فوق السحابأبوفيصل سمته فوق السحابأبوفيصل سمته فوق السحابأبوفيصل سمته فوق السحابأبوفيصل سمته فوق السحاب
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي من أروع ما كتب عن الربوعة وجلة الحياة



إعتدت في نقلي لمثل هذه المواضيع أن أعلق ولكن عجز اللسان أمام البيان في هذا المقال , سأترك لكم القراءة والإستمتاع ولا أزيد سوى قول بيض الله وجه الكاتب ولا فض فاه:

وطني من أقصى الحدود: جلة الموت ووادي الحياة
على نهاية ـ الشبك ـ من حدوده، تبدو صورة بلدي، هذا المارد العملاق، رائعة مشرقة. لا أدري كيف ألامسها من تباين الألوان. هل أشاهدها في عيون الأطفال الخارجين أمامي للتو من حفلة على بعد 200 متر من علامة الحدود الضخمة أم أقرؤها في عيون ذلك الشيخ ـ المئوي ـ الطاعن في كل تقلبات الحياة وتواريخها ومرارتها وهو يحكي ـ قصة الحياة ـ تلك التي يسردها لي في سبك لغوي بمفردة ـ الأنا ـ وضمير المفرد المتكلم وأنا أستقبلها منه ـ قصة وطن ـ بضمير الجمع. في قسمات وجهه قصة أمة سعودية ابتدأت بالشتات والخوف والفقر والجوع وانتهت بالأمل والحياة والأمن، ومن كان فيكم يجادلني معاكسة حين أتحدث عن وطني فسأطلب منه فضلا بالانصراف، وللذين مازالوا في شك من قيمة هذا الوطن فليأتوا معي إلى هذه الرحلة.
وصلت إلى ـ جلة الموت ـ بعيد الظهر وحملت معي إليها اسمها القديم حين كانت قبل فترة ليست بالبعيدة مجرد حفرة لا يفارقها عزرائيل قليلا وهو يحصد فيها الأرواح بالجملة حين كانت هذه الجلة ـ بؤرة ـ العالم بأسره في كل ميكروبات الحمى وفيروساتها. كنت طفلا صغيرا قبل أربعين عاما وأنا أسمع قصص الناجين من هذا المكان وهم يتحدثون عن قصص الهالكين الذين لا تمهلهم الحياة أكثر من سبعة أيام ما بين جلة الموت وبين القبر.
يومها كانت كل أمراض الدنيا وأسباب وفاتها لا تحمل غير اسم وحيد اسمه ـ السابع ـ فالمرور من جلة الموت لا يحتاج لأكثر من سبعة أيام لدورة فيروس الحمى لمن أراد أن ينهي الحياة بطريقة انتحارية مشروعة. أخذت علبة ماء باردة من بقالة تحمل الاسم الجديد: بقالة وادي الحياة. نظرت للعلبة جيدا وتذكرت آلاف الوجوه التي شربت من قبلي مياه الحمى والضنك. اكتشفت أنني أتظلل سور مدرسة تحمل اسم ـ النابغة الجعدي ـ وأوشكت لولا عدم الاختصاص أن أحطم اللوحة انتقاما من كل ناكر للجميل فكل الأسماء هنا وكل اللوحات على أبواب المشافي والمدارس والمراكز وحتى الدكاكين يجب أن تحمل اسم ـ عبدالعزيز ـ وحيدا مجرداً من كل الألقاب كي نؤدب بهذا الاسم الضخم كل التاريخ الكئيب فيما مضى من الأمراض والجهل والخوف كي ننتقم باسمه العملاق من كل فيروس ومن كل ميكروب وكي نعيد لكل من في القبور كرامة الحياة التي وهبها عبدالعزيز لأحفادهم وهو للمصادفة، أول ملك في كل تاريخ هذا المكان. لم يكن ـ عبدالعزيز ـ هنا بشارة للدنيا فحسب، بل أيضا للدين تختصره بضع كلمات ـ العم جابر ـ وهو يؤرخ لكل أحداث المكان التي عاشها بالقول: حين جاءنا الإسلام وهو يقصد بالضمن أن يقول: حين جاءنا حكم عبدالعزيز. كان الوقت بعيد العصر وأنا أغادر ـ وادي الحياة ـ على مشهد نساء في نهايات منتصف العمر وقد خرجن للتو جماعات من مدرسة لمحو الأمية، وللأمية وللمحو، في هذا المكان مرادفات لفظية لدي: إنها محو للتاريخ الذي لم يكن به قبل عقود من سطر يسر، ومحو للأمراض والجهل ولما كان من سالب من عادات وتقاليد قبلية.
كنت أشق الطريق إلى ـ الربوعة وفي ظهري تماما تميل الشمس إلى الغروب وأنا أجاهد اليوم كي أسرق منه ساعة نهار. بين هذه الجبال التي مثل جمال في قافلة متراصة وصلت بكل ما في الفجأة والدهشة وأنا أذرع شارع البلدة الرئيسي بكل ما فيه من أناقة ونظافة وإضاءة تحلم أن تكون نموذجا لشارع بالرياض أو أبها أو جدة. أنا لا أبالغ أبدا بكلمة واحدة. واصلت به مسافة أربعة كيلو مترات حتى نقطة أمن. طلبت منهم أن يفسحوا لي العمود فأجابني بحزم: هذه نقطة حدود وعلى بعد أمتار فقط ينتهي هذا البلد المارد العملاق. كانت هذه أول مرة في حياتي الطويلة أشاهد فيها نهاية بلدي على الأرض وأنا الذي كنت أغادره من الجو. عدت قليلا وصعدت الجبل وعن يميني كانت مساحة وطني وعن اليسار دولة مجاورة. هنا قريتان في بلدين متجاورين وكم هو محظوظ فينا الإنسان أن يولد في قرية إلى اليمين بكل ما في صورة القريتين من المتناقضات ومن مساحة التاريخ. حمدت الله أن نهاية وطني كانت في بلدة ـ الربوعة ـ وتذكرت كل أولئك الرجال من الذين جاهدوا ليجعلوا منها أنموذجا سعوديا رغم الأغوار والأدغال والجبال ورغم كل تاريخ المرض وأساطير الخوف. ذهبت لرئيس المركز الذي جمع من حولي بعض الأعيان وبعضا من رجال عاصروا البلدة ما بين تاريخين.
تحادثنا طوال ليلة كاملة مع الطاعنين عن الفوارق الهائلة في دفتر التاريخ تمنيت تسجيل الحديث ليكون مقررا مدرسيا لكل الجاحدين والناكرين. سألت ذلك الأربعيني: ما هي أعظم الخدمات هنا فأجاب بسرعة: الأمن الذي يقط المسمار بكل حزم. حين تفرض الدولة الأمن على الشبر الأخير من حدودها تستحق أن تكون دولة.

* علي سعد الموسى

أكاديمي وكاتب سعودي



 توقيع : أبوفيصل


رد مع اقتباس