عرض مشاركة واحدة
قديم 12-13-2013   #3


الصورة الرمزية شروق الامل
شروق الامل غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1079
 تاريخ التسجيل :  Jun 2012
 أخر زيارة : 05-02-2014 (07:57 PM)
 المشاركات : 5,164 [ + ]
 التقييم :  23321
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: السعادة الزوجية..



الجزء الثالث والأخير



تاسعاً: القدرة على حل المشكلات
ما من زوج ولا زوجة إلا ويريد أن يجعل من نفسه شخصاً قادراً على حل المشكلات الزوجية، والتغلب عليها، ولذا سنطيل النظر فيها لأهميتها، وعظم خطرها. ويتم ذلك في نظري بمراعاة عدة أمور.
أ- التروي والحكمة:
عندما يمعن المرء النظر في الحياة الزوجية عند عامة الناس لا يكاد يجد بيتاً يسلم من مشكلة تخْبو نارها إلى وأخرى على إثرها يتأجج أُوارُها. وليس هذا غريباً على طبائع البشر، حتى بيت النبوة لم يكن بمنأى عن تلك الخلافات لكنها حكمة الله تتجلى في وجودها، ليظهر للناس كيف يقف المصطفى صلى الله عليه وسلم منها، فتقتدي الأمة به، وتتأسى بهديه، ولو شاء الله لصفّى للمصطفى حياته من الكدر، ومشكلات البشر.
يروي أنس – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بِصَحْفَةٍ فيها طعام، فضربت التي كان النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها يد الخادم. فسقطت الصحفة، فانفلقت، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فِلَقَ الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة، ويقول: " غارَتْ أمُّكم"، ثم حبس الخادم حتى أتى بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كُسِرت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت فيه( ).
فانظر – رعاك الله – إلى هذه الأناة وتلك الحكمة من هادي البشرية في معالجة الخلافات، واحتواء المشكلة قبل أن تكبر وتتعاظم.
إن من أعظم ما يجب الاستمساك به عند اندلاع نار الفتنة في بيت الزوجية هو أن يطفئ المرء نارها بماء الأناة والحكمة وإلا فإن النار قد تزداد اشتعالاً فتُهْلِك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد.
ولقد حدث لأحد الأزواج خلاف مع زوجته، أثار غضبها، وطلبت منه الطلاق بقوة وإلحاح، فأمرها أن تأتي بورقة وقلم ليكتب ما تريد، فجاءت بهما، فأشار عليها أن يؤجل الكتابة إلى الغد، فوافقت، فما أشرقت شمس غد حتى أشرق نور الوِفاق بينهما، بعد زوال سَوْرة الغضب، وحِدّة التّوَتّر وعلمت الزوجة أثر أناة زوجها في حل المشكلة وتلافيها.
ب- التكيف:
ونقصد به: حمل كل من الزوجين نفسه على التأقلم مع صاحبه ومراعاة اختلاف طبيعته، وطريقته في التعامل.
وهذه المسألة من أخطر المشكلات التي تواجه الزوجين في بداية الزواج، كما حدثني بذلك أحد المختصين، لأن كلاً منهما قد عاش في بيئة تختلف عن بيئة الآخر وعلى منهج مغاير، فهل ينتظر منهما أن يتوافقا في الأذواق والأمزجة والطبائع في غضون ليالٍ قليلة إن لم يحمل كلٌّ نفسه على التكيف مع صاحبه، خصوصاً في بدء حياتهما. وعندما ينعدم التكيف نسمع أن فلاناً طلق عروسه ليلة عرسه، وآخر فارقها بعد أسبوع، وأخرى طلبت الطلاق بعد شهر، وكان الأجدر بهؤلاء أن لو تريثوا وحملوا أنفسهم على الاختلاف الطارئ في التعامل.
جـ- ضبط اللسان:
حفظ اللسان من سيئ الكلام، وبذيء الحديث، والثرثرة أعظم مفتاح يمتلكه المرء لإغلاق باب المنازعات على نفسه، إذ لو تأمل العاقل في غالب منازعات الناس، فضلاً عن الزوجين، لوجدها من عثرات الألسن، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين قال لمعاذ – رضي الله عليه -: "وهل يكبُّ الناسَ في النار على وجوههم، أو قال على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم"( ).
نعم إن فلتات اللسان مقاتل الإنسان، وأماني الشيطان، وصدق من قال:
يُصـاب الفتـى مـن عـثرة بلسانه وليس يُصاب المرء من عثرة الرجل
فعثـرة القـول تُـذهِـبُ رأســه وعسـرته بـالرجل تـبرأ على مهل
وآخر يقول:
احفظ لسـانك أيهـا الإنسـان لا يلـــدغنّك إنـــه ثُعبــان
كم في المقابر من قتيل لسانه كـانت تهــاب لقـاءَهُ الشّـجعان
وثالث يبيّن مدى السلامة في ترك الثرثرة:
الصمـت زَيْنٌ والسكوت سلامة فإذا نطقت فلا تكن مكثارا
فلئن ندمت على سكوتك مـرة فلتندمنّ على الكلام مرارا
ولذا فعلى كل من الزوجين حفظ لسانه وبخاصة عند حدوث المشكلات وارتفاع سَوْرَة الغضب، فمنه كلمة ومنها أخرى حتى يقع المحذور.
د- عدم نقل المشكلات خارج البيت:
إن نقل المشكلة خارج نطاق البيت يعني بقاءها، وازدياد اشتعال نارها، وخصوصاً إذا نقلت إلى أهل أحد الزوجين، لأنهم لا يدركون أبعاد المشكلة وأسبابها، وغالباً ما يسمعون القضية من طرف واحد، هو خصم، والخصم لا يسمع كلامه إلا بحضور خصمه، فيحكمون حكماً جائراً أعور، وقد تأخذهم الحمية لإنقاذ ابنهم أو ابنتهم، فيُضْرمون نار العداوة والبغضاء بين الزوجين إضراماً يذهب بالبقية الباقية من أواصر المحبة بينهما.
وغالب ما يحدث من منازعات بين الزوجين إنما هي أمور طفيفة لأسباب تافهة، تقوم لسوء مزاج أحدهما في وقت معين أو نحو ذلك، ثم تُصور للآخرين بألفاظ أضخم من حقيقة المشكلة فيظن السامع لها الذي لم يعايشها أنها كبيرة ومستعصية، فتأتي على إثر ذلك حلول شوهاء، يذهب ضحيتها الزوجان. ولذلك كان من المستحسن أن يتواصى الزوجان، ويتعاهدا على عدم نقل مشاكلاتهما خارج عشّ الزوجية، وأن يحرصا كل الحرص على ألا تبيت المشكلة معهما ليلة واحدة.
إن عضّك الدّهر فكن صابراً على الذي نالك من عضّته
أو مسـك الضر فلا تشتك إلا لمن تطمعُ في رحمته

هـ- استشارة ذوي العقول وأهل الاختصاص( ):
إن التشاور مع ذوي الشأن وأرباب الحِجى عامل مهمّ في كل ما يحدث من خلاف بين الزوجين، ذلك لأن غيرك يعرف من الحلول ما لا تعرفه، وقد يكون ممن وقع في حَدَثٍ مماثل فَوُفِّق للحل المناسب. وعادة ما يصاب المرء حين المشكلة بضيق في الرأي، وتعكير على صفو التفكير، يحتاج معه إلى الاستناد إلى آراء الآخرين، للخلاص مما هو واقع فيه.
وأعرف شابّاً وقع في بيته حدث كاد يُودِي بالحياة الزوجية إلى أمر محزن، لولا أن الله وفقه لاستشارة صاحب رأي من إخوانه، فطمأنه إلى أنه لا مشكلة فيما حدث، إن عمل بمشورته بإذن الله، وفعلاً انقلبت المشكلة إلى سعادة ورضا، وصارت الزوجة تخجل من نفسها إذا تذكرت ما حصل منها، وحمد الزوج ربّه على الأناة، وضبط اللسان، واستشارة ذوي الشأن.
(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً) (النساء:35).
و- الرضا بالقضاء والقدر
إن من أعظم ثمرات الإيمان بقدر الله وقضائه، الاطمئنان إلى عدل الله وحكمته، فإن أمر المؤمن كلَّه له خير، إن أصابته سراءُ شكر فكان خيراً له، وإن أصابه ضراء صبر فكان خيراً له، والصبر على مُرِّ القضاء دليل على قوة الإيمان وهو ابتلاء من الرحمن لعبده، أيقابله بالشكر والرضا، أم بالكفر، والسخط بما قدره الله تعالى، والاعتراض على حكمته وتدبيره.
وليعلم الزوجان أن رضاهما بما قدر عليهما كعدم الإنجاب، أو ضعف الولد أو تشويهه أو نحو ذلك من أسباب المشكلات، واحتسابهما الأجر عند ربهما وصبرهما على بليتهما خيرٌ لهما في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا سعادةٌ وانشراحُ صدرٍ. وفي الآخرة جنة، ورضوان من الله أكبر.
وإنه لينقضي عجبك من قوم تسمع عن أحدهم أنه هدد امرأته بالطلاق، لأنها تنجب البنات. وكأنه لا يدري أن أمر الولد ليس موكولاً إليها، ولا إلى أحد من المخلوقين، بل هو تقدير العزيز العليم (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً) (الشورى: الآيتان 49،50). وكأنه أدرى بالحكمة وأعرف بالمصلحة من ربه – جل وعلا -، وهذا التصرف دليل على ضعف الإيمان، وقلة اليقين.
وقد روت كتب الأخبار أن رجلاً سخط على امرأته وهجرها لأنها مئناثٌ لا تَلِدُ إلا البنات، وتزوج من أخرى، فأنشأت أبياتاً تقولها وهي ترقص إحدى بُنياتها وتبين أنه لا مجال للسخط عليها:
مــال أبـي حـمزة لا يأتينا يـظـل فـي البيت الذي يلينا
غضبــان أنا لا نلد البنينــا تاللــه مـا ذاك فـي أيدينا
وإنما نحن كالأرض لزارعينــا ننبــت مـا زرعـوه فينـا
فأدرك الزوج خطأه، وعاد إلى زوجته، وعاشرها بالحسنى.
وقد يبتلى بعض الرجال بزوجة دميمة، فعليه أن يصبر على ما ابتلي به (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) (النساء: من الآية19). وعليه ألا يُعَيّر المرأة بدمامتها، وهو أمرٌ ليس من تقدريها وخلقها، وقد يؤدي مثل هذا التعيير والتنقص إلى إثارة المرأة ومحاولتها الانتقام من زوجها، كما نشرت جريدة الرياض قصة امرأة مصرية، قتلت زوجها، وقطعته عدة قطع، لأنه كان يعيرها بقبحها، ويهددها بالزواج عليها.
ومثل ذلك إذا أنجبت المرأة أولاداً معوقين، فعليه بالرضا بالقضاء والقدر، ولعل الله أراد به خيراً، وإذا أحب الله عبداً ابتلاه، وعليه بفعل ما يشرع من الأسباب لتلافي مثل ذلك، وقل مثل هذا إذا أصيب أحد الزوجين بمرض أو عاهة فعلى الآخر الرضا والصبر والاحتساب، فالله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
وعلى الزوجة أن تصبر إذا افتقر زوجها بعد غنى، أو ابتلي بمصيبة من مصائب الدنيا كالسّجن والتغرب وغيرها (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) (الطلاق: من الآية7).

عاشراً: أمور متفرقة
بقيت أمور مهمة، الحديث عنها، وإبداء الرأي فيها جزء من مقومات السعادة الزوجية، أفردتها لأهميتها في الحياة الزوجية، وهي كالتالي:
1- عمل المرأة:
مما يُحدث إشكالات في حالات كثيرة بين الأزواج، قضية عمل المرأة، والأمر فيها بيّن واضح:
فإن كانت المرأة اشترطته على زوجها دائماً أو وقتاً معيناً، فإن عليه أن يلتزم بالشرط كما اتفقا عليه حين العقد ورضيا به، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن أحق الشروط أن تُوفوا به ما استحللتم به الفروج"( ).
وقوله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون على شروطهم"( ).
وإن اشترط الزوج على زوجته ألا تعمل، أو لم يكن هناك شرطٌ سابق لكنه رفض عملها، لزمها أن تطيع وتسمع؛ لأنه بَعْلها، وطاعته واجبة عليها.
ولكن على المرأة ألا تركب رأسها حين يكون العمل مضرّاً بحياتها الزوجية مرهقاً للزوج، بل ينبغي لها أن تتنازل عن شرطها، وتتخلى عن عملها، لأن الإبقاء على الزوج، وتقدير مصلحة البيت خير لها من لزوم العمل، وهذا كله إنما يتم بطريق المفاهمة والمشاورة ومبادلة الرأي.

2-مال الزوجة:
بعض الأزواج يغلبه الطمع فيتسلط على مال زوجته بدون رضاها، وهذا ليس من حقه، بل للمرأة مالها. ولها حق التصرف فيه، دون غيرها، وعلى الزوج أن يقوم بواجبه في النفقة عليها، وإن كانت ذات مال.
ومثل هذا الجشع من بعض الأزواج يمحو المحبة، ويذيب الوُدّ من قلب الزوجة، إن لم يحملها على تصرفٍ مشين يحطِّم السلام في أمن البيت. ومن ذلك ما نشرته جريد الرياض أن امرأة أقدمت على قتل زوجها، وتقطيعه، وتوزيع قطع الجثة على مدينتين، وفي مجاري المياه، لأنه كان يضربها، ويتسلط على مالها، يقول الله تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) (النساء:4).
3- التجمل والزينة:
للزينة دور فعّال في إعفاف كلٍّ من الزوجين وقناعته بصاحبه والرغبة فيه، ودوام العشرة بالمعروف، ومتانة سياج المودة والمحبة، ولا غرو، فالقلب مجبول على التطلع إلى الجمال ومحبته. بيد أن بعض الرجال يعتقد أن هذا خاص بالمرأة دونه، وأنه يجب عليها أن تتجمل له وتتزينن لكنه لا يقوم بدوره في التجمل لذلك الاعتقاد الخاطئ، وقد قال الله تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة: من الآية228). نعم إن زينة الرجل كمالُ رجولته، وقوامته، وحسنُ عشرته، ولكن التجمل الظاهر مطلب للمرأة ترتاح له وتسرُّ به.
وقد بينت ذلك إحداهن حينما خطبها رجلٌ قد شاب شعر رأسه فأبدت موافقتها، وقالت: "أخبروه أن في رأسي شيباً"، فغير الرجل رأيه لذلك، فقالت المرأة: "والله ما في رأسي شعرة إلا وهي سوداء، ولكني أردت أن أُعلمه أن ما يحبونه فينا نحبُّه فيهم".
ومع هذا كله، تجد كثيراً من الأزواج يهمل هذا الحق لزوجته عليه.
وأكثر من ذلك، وأشدُّ قبحاً ما يقع من إهمال كثير من النساء لزينتهن أمام أزواجهن، أصحاب الحق بالزينة وقد تمرُّ بالواحدة الأيام والليالي لم تبدُ خلالها بمظهر حسن لبعلها، وليت الأمر يقف عند هذا الحد، بل يتعداه إلى أن الزوج الذي بماله تُشترى الملابس الجميلة، والعطور، وأدوات الزينة، يحرم منها، لتعرضها المرأة أمام النساء في المناسبات والأعياد والزيجات.
أحـرام عـلى بلابلـه الدوح حـلال للطـير من كل جنس!!
حتى حدا هذا العمل ببعضهم أن ينتظر بفارغ الصبر قدوم مناسبة يمتع ناظريه فيها بزوجته بأبهى حلة وأحسن حال، ووصل الأمر بآخرين إلى افتعال المناسبة، واختلاق موعدها ليحظى بتجمل زوجته له. وهذا لا شك ظلمٌ من الزوجة لزوجها، وتقصير في حقه، مضر بسعادتها معه، يحمل الزوج على الانصراف عنها، والزهادة فيها، ليتطلع إلى الزواج بأخرى تروي عاطفته، وتشبع غريزته وتملأ عينه.
وقد تزوج أحدهم بامرأة أخرى لهذا السبب، فما كان من الأولى إلا أن تزينت وتجملت، فلما دخل الزوج عليها ظنّها امرأة أجنبية من عظم الفوارق بين حالتيها، ودهش حينما رآها بهذا التألق الذي ظن أنها تفتقده، وأخبرها أنه ما كان ليتزوج لو كانت معه على تلك الحال قبل ذلك، ولكن على نفسها جنت براقش.
4- أم الزوجة:
ترسخت لدى كثيرين مفاهيم خاطئة عن أمّ الزوجة (الحماة) استقوها من الصحف والمجلات والمسلسلات، صُوِّرت فيها على أنها امرأة شريرة، تحمل في طبعها الكيد والمكر والخداع، وأن سعادتها منوطة بشقاء زوج ابنتها، وراحتها في تعليم ابنتها أساليب ابتزاز مال الزوج، وتعب بدنه.
والحقيقة أن الواقع خلاف ذلك، فالحماة امرأة فاضلة صالحة تسهر على سعادة ابنتها مع زوجها، وتحرص على قيام ابنتها بكامل حقوق الزوج، وقد تُضَحِّي براحتها لإراحتهما، وهذا لا يعني أن كل حماة بهذه الصفات، بل قد يكون منهن من هي بخلاف ذلك، وهذا غير مستبعد على طبائع البشر، لكن أن تنقلب الأحوال فتصور على غير ما هي عليه في أعم أحوالها، فذلك ظلم لها، وهضم لجميلها، وقل مثل ذلك عن أمّ الزوج.
5- تعدد الزوجات:
تعدد الزوجات أمر مشروع، ولا مجال للنقاش في مشروعيته، وإنه ليخشى على دين من يُناقش في ذلك، ويخطئ أولئك الذين يظنون أن التعدد مباح عند الضرورة، كعقم الزوجة، أو مرضها المزمن، فذلك مما لم يرد به دليل، ولم ينزل به شرع.
ولست الآن بصدد البحث في هذا الموضوع، لكن أعرض منه ما له مساس بموضوعنا (مقومات السعادة الزوجية)وهو حث الرجال والنساء على الاعتدال في مسألة التعدد، والأمر بالتزام المنهج الشرعي فيها.
فمن الأزواج من يتعجل في التعدد، ويقدم على الزواج من غير تبصُّر وتربُّص فيقع في أخطاء فادحة، تُهَشِّم بُنيان السعادة في أسرته.
ومنهم من يجعل الحديث عن التعدد سبيلاً لإغاظة الزوجة، واستفزازها وتهديدها.
ومنهم من لا يراعي في التعدد إلا إشباع الرغبة الجنسية. صارفاً النظر عن الأغراض الشرعية السامية، التي من أجلها شرع التعدد، ومعرضاً عما ينبغي أن يقوم به من العدالة والقوامة والقدرة على القيام بالحقوق، فيكون حاله كحال هذا الشاعر الذي يقول مصوراً ما هو فيه من تعاسة ونكد عيش.
تزوجـتُ اثنتيـن لفـرطِ جهلي بمـا يشـقى بـه زوجُ اثنتيـن
فقلـتُ أصـير بينَهمـا خروفا أنعـم بيــن أكــرم نعجـتين
فصـرتُ كنعجةٍ تُضحِي وتُمسِي تـداولُ بيــنَ أخـبثَ ذئبتيـن
رضـا هـذه يُهيّجُ سخْطَ هـذه فمـا أعرَى من احدى السخطتين
وألقـى فـي المعيشة كلَّ ضُرٍّ كـذاك الضـر بيــن الضَّرَّتين
لهـذه ليلــةٌ ولتلـك أخـرى عتـابٌ دائـمٌ فــي الليلتيـن
فـإن أحـببتَ أن تبقـى كريما مـن الخـيـراتِ مملوءَ اليدين
فعشْ عزبا فـإن لـم تسـتطعه فواحـدة تكـفيك شرَّ الضرتين

6- ارتكاب المعاصي بحجة البحث عن السعادة:
وتلك قاصمة الظهور، وجالبة الشرور، قد سرت بين الناس سريان النار في الهشيم، وجاءت تحت قوالب ومسميات أبعد ما تكون عن الإسلام ومنهجه السوي في شأن الزواج، ومن ذلك مثلاً، ما يسمّى "بشهر العسل" تلبيساً وإيهاماً. ويرتكب الزوجان تحت مظلة هذا الشهر آثاماً من أشدها ضرراً وأخطرها شرراً قضية السفر إلى الخارج، بدعوى السياحة والتفرج، وهي بدعة غريبة يحقق عملنا بها قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو سلَكُوا جُحر ضبٍّ لسلكتموه"( ).
ويحدث خلال السفر ما يَنْدى له جبين المسلم من ضياع الأموال، وتبرج النساء، وارتكاب المحظورات، وهذه هي سعادتهم، شهر واحد فقط، ثم تعاسة دائمة، وبؤس مستمر. أما المسلم فحياته كلها سعادة وبهجة.
ومن ذلك، مشاهدة الأفلام الخليعة، خصوصاً في أول ليالي الحياة الزوجية، أو قراءة المجلات الماجنة، أو استماع الأغاني المحرمة المثيرة للغرائز، أو قيام الزوجة بتضييف أصدقاء زوجها، أو هتكها لحجابها، وغير ذلك من المعاصي التي لا تخفى، والتي تعود بالشؤم والبلاء العاجل والآجل على عش الزوجية (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (الشورى:30). وكم تفرق شملٌ، وتشتَّت جَمْع، واضطربت بيوتٌ، وطُلِّقت نساء وضيع أولاد، بشؤم المعصية، في وقت يتصور الزوجان أنهما بهذه المعاصي يحققان السعادة والهناء.
7- الهدية:
لعل خير ما يذكر في آخر هذه الرسالة لتحقيق الأهداف التي كتبت من أجلها، مسألة غفل عنها الكثير من الأزواج مع أثرها في تحقيق السعادة ودوام المحبة والألفة، ألا وهي الهدية، هدية الزوج لزوجته وهدية الزوجة لزوجها، وكذلك هدية كل من الزوجين لأهل الآخر، وبالأخص للوالدين، إن الهدية تذهب السخيمة، وتزيل البغضاء، ومهما كانت الهدية بسيطة ويسيرة فإن لها من الآثار النفسية ما يصعب حصره وتعدد مزاياها. فتهادوا تحابوا.
ومما يلحق بالهدية إفشاء السلام وطلاقة الوجه والبشاشة، "أولا أدلُّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم". رواه مسلم.
و"لا تحقرن من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق". رواه مسلم.
وجربوا الهدية والسلام والبشاشة وستجدون النتيجة بإذن الله.

الحادي عشر: الخاتمة
وبعد:
هذه أبرز مقومات السعادة الزوجية لمن أراد حياة هانئة مستقرة، لا تشوبها المشكلات والقلاقل، ولا تكدرها الخصومات والشقاق.
وفي هذا البيت السعيد تتكون الأسرة المؤمنة وتتربى الأجيال، ومن مثل هذه الأسرة يتخرج القادة والمصلحون. إن أمتنا الإسلامية بأمس الحاجة إلى الوقوف في وجه الهجمة الشرسة من أعدائنا لتقويض أركان الأسرة في مجتمعنا، عن طريق وسائل متنوعة متعددة، لا تخفى على أولي الألباب.
إن الأسرة التي تلتزم بدينها وعقيدتها، وتجعل الكتاب والسنة نبراساً لحياتها، لهي جديرة بالبقاء والهناء والسعادة (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى) (طـه: من الآية123).
أما من انحرف عن المنهج السوي، وابتعد عن الصراط المستقيم، ودان لأخلاق الشرق والغرب، إعجاباً وتقليداً وسلوكاً، وربّى أهله وأبناءه على هذه الطرق، فلا يلومنّ إلا نفسه، (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (طـه:124).
وعلينا أن نتذكر ما أعده الله للأزواج السعداء في الدنيا من سعادة في الآخرة (هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ) (يس: 56). والملائكة يدعون لهؤلاء السعداء، (رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (غافر: 8).
وليحذر الزوجان أن يكونا ممن قال الله فيهم: (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ) (الصافات:22، 23).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وسلام على المرسلين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

مع التحيات


 
 توقيع : شروق الامل

تعلمت الصبر و البال مهموم
تعلمت السهر وماعرفت النوم
تعلمت اضحك و الفرح معدوم
بس ماقدرت اتعلم كيف اصبر وان منك محروم


رد مع اقتباس