06-23-2012
|
|
(( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ))..
تتقلب صفحات الحياة وتتعدد الأحداث التي تمر على الإنسان ، فينال منها ما
ينال و « هل تجيء الأيام بما نحب ؟ ما أكثر العواصف التي تهبُّ علينا ، وتملأ
آفاقنا بالغيوم المرعدة ، وكم يواجَه المرء بما يكره ، ويُحرم ما يشتهي » [1] .
ومن تلك الأحداث والعواصف التي تواجه الإنسان « المرض » فلا يكاد يخلو إنسان
من عارض يمر به ، فيصاب بمرض أو يوجد عنده من يمر بمرض من الأمراض
التي لا يملك داءها ودواءها إلا الله - سبحانه وتعالى - : "وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ "
( الشعراء : 80 ) .
ومن منا في هذه الحياة لم يصب بغالٍ أو حبيب ؟
ومن منا في هذه الحياة لم
يتجرع آلام من يراهم أمامه يتقلبون تحت جمرة المرض ؟ ولكن السؤال : « هل
أدينا أنا وأنت حقاً من حقوق هذا المريض ؟ » منا من عرف واجبه فأدَّاه ، ومنا
هداهم الله من لا يهتم فيترك مرضاه أسرى الهموم والغموم والأحزان . وكم من
المرضى من عرف حقيقة من هم حوله فبكى بكاءاً مراً لضياع عمره معهم . وقد
تطول ساعة المحنة على ذلك المريض ، وقد تشتد ويزداد الظلام ، وتتلبد السماء
بالغيوم لتمتد إلى ساعة يعلن فيها المريض عن انتهاء رحلته من الحياة وقد ودعها
وهناك من فرَّط وأهمل في حق هذا المريض . ثم ماذا ؟ يأتي ليسكب الدموع الحارة
أسفاً وحزناً على تقصيره في حق ذلك المريض ، وقد كان لديه متسع من الوقت ،
ولكنه كان يسوِّف في حق مريضه ، كان يسوِّف حتى في الكلمة الطيبة والابتسامة
الصادقة والدعاء له في ظاهر الغيب .
وكلماتي لأولئك الذين لديهم متسع من الوقت ليعيشوا مع المريض ولو لدقائق
معدودة سواء كانوا أقرباء أم أطباء أم إخوة في الله ، ثم كلماتي لذلك المريض
شافاه الله وعافاه .
إن هذه الكلمات لم تجئ لتدغدع المشاعر ، أو لتعزف على أوتار حساسة ، أو
لتسطر كلمات لا تتصل بالواقع ولا تعايشه « لا والله » نحن مسلمون ؛ والمسلم
يهتم بأمر المسلمين وبكل ما يكدر صفو حياتهم أو يسعدهم ، يسعى بقدر ما
يستطيع على أن يساعدهم ويمد يد العون لهم « من حق أخيك عليك أن تكره
مضرته وأن تبادر إلى دفعها ، فإن مسَّهُ ما يتأذى به شاركته الألم ، وأحسست
معه بالحزن . أما أن تكون ميت العاطفة قليل الاكتراث ؛ لأن المصيبة وقعت
بعيدة عنك فالأمر لا
يعنيك ، فهذا تصرف لئيم ، وهو مبتوت الصلة بمشاعر الأخوة الغامرة التي
تخرج بين نفوس المسلمين ، فتجعل الرجل يتأوه للألم ينزل بأخيه مصداقا لقول
رسول الله : « مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد
إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى »[2] ، والتألم الحق
هو الذي يدفعك دفعاً إلى كشف ضوائق إخوانك ، فلا تهدأ حتى تزول غمتها ،
وتُدبر ظلمتها ، فإذا نجحت في ذلك استنار وجهك ، واستراح ضميرك » [3]
والإنسان في هذه الحياة لا يعيش وحده وإنما في مجتمع يضم صوراً متعددة
لأناس سلبيين وإيجابيين ، والمسلم يسعى دائماً إلى أن يكون إيجابياً في تعامله
وتعايشه مع الآخرين حتى وإن اختلفت الديانة أو الملة ، يحدوه في ذلك ويدفعه
حبه لدينه . وتعايش المسلم مع أخيه المريض ومواساته له جزء من ذلك ؛ فهو
كالمنقذ للغريق - بإذن الله - نعم قد لا يستطيع أن يشفيه ؛ فالشفاء بيد الله ولكن
يستطيع أن يدعو له ، يستطيع أن ينقذ عقيدته من مياه اليأس والعجز والقنوط ،
ويوقد شعلة الإيمان في قلبه ، يستطيع أن يبذل له ولذويه ولكل من هم حوله ما
يستطيع بالكلمة وغيرها ، فلا يقف عاجزاً أو يائساً ؛ فمنه بذل الأسباب ومن الله
الأجر والمعونة والشفاء .
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|