عرض مشاركة واحدة
قديم 09-18-2012   #8


شروق الامل غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1079
 تاريخ التسجيل :  Jun 2012
 أخر زيارة : 05-02-2014 (07:57 PM)
 المشاركات : 5,164 [ + ]
 التقييم :  23321
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: لمحات من حياة شيخ الاسلام ابن تيميه



محن الشيخ:

امتحن الشيخ مرات عدة بسبب نكاية الأقران وحسدهم، ولما كانت منزلة شيخ الإسلام في الشام عالية عند الولاة وعند الرعية وشى به ضعاف النفوس عند الولاة في مصر، ولم يجدوا غير القدح في عقيدته، فطلب إلى مصر، وتوجه إليها سنة 705هـ. بعدما عقدت له مجالس في دمشق لم يكن للمخالف فيها حجة ، وبعد أن وصل إلى مصر بيوم عقدوا له محاكمة كان يظن شيخ الإسلام رحمه الله أنها مناظرة، فامتنع عن الإجابة حين علم أن الخصم والحكم واحد .

واستمر في السجن إلى شهر صفر سنة 707هـ، حيث طلب منه وفد من الشام بأن يخرج من السجن، فخرج وآثر البقاء في مصر على رغبتهم الذهاب معهم إلى دمشق.
وفي آخر السنة التي أخرج فيها من السجن تعالت صيحات الصوفية في مصر، ومطالباتهم في إسكات صوت شيخ الإسلام رحمه الله فكان أن خُير شيخ الإسلام بين أن يذهب إلى دمشق أو إلى الإسكندرية أو أن يختار الحبس، فاختار الحبس، إلا أن طلابه ومحبيه أصروا عليه أن يقبل الذهاب إلى دمشق، ففعل نزولاً عند رغبتهم وإلحاحهم.
وما إن خرج موكب شيخ الإسلام من القاهرة متوجهاً إلى دمشق، حتى لحق به وفد من السلطان ليردوه إلى مصر ويخبروه بأن الدولة لا ترضى إلا الحبس.
وما هي إلا مدة قليلة حتى خرج من السجن وعاد إلى دروسه، واكب الناس عليه ينهلون من علمه.
وفي سنة 709هـ نفي من القاهرة إلى الإسكندرية، وكان هذا من الخير لأهل الإسكندرية ليطلبوا العلم على يديه، ويتأثروا من مواعظه، ويتقبلوا منهجه، لكن لم يدم الأمر طويلاً لهم، فبعد سبعة أشهر طلبه إلى القاهرة الناصر قلاوون بعد أن عادت الأمور إليه، واستقرت الأمور بين يديه، فقد كان من مناصري ابن تيمية رحمه الله وعاد الشيخ إلى دورسه العامرة في القاهرة.
وامتحن شيخ الإسلام بسبب فتواه في مسألة الطلاق ، وطُلب منه أن يمتنع عن الإفتاء بها فلم يمتنع حتى سجن في القلعة من دمشق بأمر من نائب السلطنة سنة 720هـ إلى سنة 721هـ لمدة خمسة أشهر وبضعة أيام.
وبحث حساده عن شيء للوشاية به عند الولاة فزوروا كلاماً له حول زيارة القبور، وقالوا بأنه يمنع من زيارة القبور حتى قبر نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم، فكتب نائب السلطنة في دمشق إلى السلطان في مصر بذلك، ونظروا في الفتوى دون سؤال صاحبها عن صحتها ورأيه فيها، فصدر الحكم بحقه في شعبان من سنة 726هـ بأن ينقل إلى قلعة دمشق ويعتقل فيها هو وبعض أتباعه واشتدت محنته سنة 728هـ حين أُخرج ما كان عند الشيخ من الكتب والأوراق والأقلام، ومنع من ملاقاة الناس، ومن الكتابة والتأليف .


لماذا درس ابن تيمية الفلسفة؟


ويشيد أبو زهرة بردود ابن تيمية على الفلاسفة، ويبين لماذا درس الفلسفة ويعقد فصلاً يقارن فيه بين دراسة ابن تيمية للفلسفة ودراسة الغزالي لها فيقول:

درس ابن تيمية الفلسفة وعرفها، ولكنه درسها ليهدمها، وهو قد رآها داء قد أصاب فكر المسلمين، فجعل منهم المتكلمين والمتفلسفين، وأنها سرت إلى العقل الإسلامي فسيطرت على مساربه، ويروي أنه قبل أن يخوض في بيان العقيدة الإسلامية وموافقتها لصريح المعقول لا بد من إبعاد العناصر الفلسفية التي هي أخيلة وأوهام، كما يبعد عن الجسم الإنساني الأخلاط الضارة لتتم سلامته، فيقول في ذلك:
"لما كان بيان مراد الرسول في هذه الأبواب لا يتم إلا بدفع المعارض العقلي، وامتناع تقديم ذلك على نصوص الأنبياء، بينا في هذا الكتاب فساد القانون الفاسد الذي صدوا به الناس عن سبيل الله. وعن فهم مراد الرسول وتصديقه فيما أخبر به، إذ كان أي دليل أقيم على بيان مراد الرسول لا ينفع إذا قدر أن المعارض العقلي ناقضه، بل يصير ذلك قدحاً في الرسول، وقدحاً فيمن استدل بكلامه، وصار هذا بمنزلة المريض الذي تكون به أخلاط فاسدة تمنع انتفاعه بالغذاء، فلا ينفعه مع وجود هذه الأخلاط الفاسدة التي تفسد الغذاء، فكذلك القلب الذي اعتقد قيام الدليل العقلي القاطع على نفي الصفات أو بعضها، أو نفي عموم خلقه لكل شيء وأمره ونهيه، أو امتناع المعاد أو غير ذلك لا ينفعه الاستدلال عليه في ذلك بالكتاب والسنة، إلا مع بيان فساد ذلك المعارض، وفساد المعارض قد يعلم جملة وتفصيلاً" (موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول المطبوع على هامش منهاج السنة ص9 ج1).
الفرق بينه وبين الغزالي:
درس إذن ابن تيمية الفلسفة وما عند الفلاسفة، لا ليطلب الحقائق من ورائها، بل ليبين بطلان ما يعارض الدين منها، فهو آمن بما جاء به الرسول أولاً، ثم أراد أن ينفي عنه خبث الفلسفة، فدرس ذلك الخبث ليعرف حقيقته ثم ليبين بطلانه بعد معرفته.
وهو في هذا يفترق عن منهاج الغزالي رضي الله عنه، فهو قد درس الفلسفة ليطلب الحقيقة من ورائها، وخلص نفسه من كل شيء ليصل إلى الحق المستقيم، واعتبر الشك هو الطريق للوصول إلى الحق، ولكن تبين له بطلان ما يقوله الفلاسفة، فعاد إلى الدين، وأشرق في نفسه نور الحقائق في خلوات صوفية عرف فيها نفسه، ثم حمل حملته على الفلاسفة وبين تهافتهم.
ومع ذلك هل تجرد منها؟ إنه بقيت في نفسه أثارة منها، بل إنه لم يتركها إلا وقد تكون عقله تكوناً فلسفياً، وأخذ أحد شعب الفلسفة وجعله جزءاً من دراساته، وهو المنطق، فهو في مقدمة كتاب المستصفي في عالم الأصول، والذي يعد أحد دعائم علم أصول الفقه الثلاثة (الكتب الثلاثة هي: المعتمد لأبي الحسين البصري، والبرهان لإمام الحرمين، والمستصفي للغزالي) يقرر أن الحقائق لا يمكن أن تعرف في أي علم من العلوم على وجهها إلا إذا كان المنطق ميزانها، ويقول في مقدمة كتاب المستصفي التي شرح بها علم المنطق إجمالاً ما نصه:
"نذكر في هذه المقدمة مدارك العقول وانحصارها في الحد والبرهان، ونذكر شرط الحد الحقيقي، وشرط البرهان الحقيقي، وأقسامها على منهاج أو جزء مما ذكرناه في كتاب محك النظر، وكتاب معيار العلم، وليست هذه المقدمة من جملة علم الأصول، ولا من مقدماته الخاصة به، بل هي مقدمة العلوم كلها، ومن لا يحيط بها فلا ثقة بعلومه أصلاً" (مقدمة المستصفي ص10 الجزء الأول).
وهذا إيمان بشعبة من شعب الفلسفة عميق، فإن علم المنطق فرع من فروعها، بل لعله أعظم تراث تركه أرسطو من بعده.
هذا هو الفرق بين المقصد عند هذين العالمين من دراسة الفلسفة، وقد تأدى بالأول إلى نقضها، وتأدى بالثاني إلى اعتناق بعضها، لذا قال بعض تلاميذ الغزالي: إنه دخل في بطن الفلسفة، ولما أراد الخروج منها لم يستطيع. فكانت منه تلك المناهج الفلسفية التي سلكها في دراسة العقائد، ودراسة أصول الفقه، بل كان منه تلك الحيرة التي بدت في آرائه في الفلسفة والفلاسفة، فبينما تراه يحمل على الفلاسفة، ويبين تهافتهم، تراه يقبض قبضة من علومهم ويجعلها وحدها ميزان العلوم، ولذا قال ابن تيمية فيه:
"كان أبو حامد ما يوجد في كلامه من الرد على الفلاسفة، وتكفيره لهم، وتعظيم النبوة وغير ذلك، ومع ما يوجد فيه من أشياء صحيحة حسنة، بل عظيمة القدر نافعة يوجد في بعض كلامه مادة فلسفية وأمور أضيفت توافق أصول الفلاسفة المخالفة للنبوة، بل المخالفة لصريح العقل، حتى تكلم فيه جماعات من علماء خراسان والعراق والمغرب" (شرح العقيدة الأصفهانية ص115).
ويقول فيه أيضاً:
"وأبو حامد لا يوافق المتفلسفة على كل ما يقولون، بل يكفرهم ويضللهم في موضع، وإن كان في الكتب المضافة إليه ما قد يوافق بعض أصولهم، بل في الكتب التي يقال إنها مضنونة بها على غير أهلها ما هو في الفلسفة مضنونة مخالفة لدين المسلمين واليهود والنصارى، وإن كان قد عبر عنها بعبارات إسلامية، لكن هذه الكتب في الناس من يقول إنها مكذوبة على أبي حامد، ومنهم من يقول: بل رجع عنها، ولا ريب أنه صرح في بعض المواضع ببعض ما قاله في هذه الكتب، وأخبر في المنقذ من الضلال، وغيره في كتبه بما في هذه من الضلال" (الكتاب المذكور ص49).
ثم بين أن الغزالي كان ينقل كتب الفلسفة، وأقوال الفلاسفة، وينقل عن أبي عبدالله المازري الفقيه المتكلم فيقول:
"قال (ابن المازري) ووجدت هذا الغزالي يعول على ابن سينا في أكثر ما يشير إليه في علوم الفلسفة، حتى إنه في بعض الأحايين ينقل نص كلامه من غير تغيير، وأحياناً يغيره، وينقله إلى الشرعيات أكثر مما نقل ابن سينا، لكونه أعلم بأسرار الشرع منه، فعلى ابن سينا ومؤلف رسائل إخوان الصفا عول الغزالي في علم الفلسفة"


 
 توقيع : شروق الامل

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس