رد: المال وسخ دنيا !!
الجزء الثاني
ذهلت تماماً ، وأيقنت بأن الأمر هو فوق ما سأتوقعه أو أتصوره ، وتذكرت فورًا حلم البارحة الكريه ، ثم بدأتُ بعدها أستذكر كل خطأ قد فعلته في حياتي الماضية يجعل من مثل هؤلاء يأتون في طلبي !
خرجت معهما ، ثم ركبنا سيارة حكومية ، وفيها قد كان الرجلان صامتين صمتاً مطبقاً لم أشأ معه أن أسألهما ، ولم يتلطفا هما بإخباري عن شيء .
مضت بنا السيارة في شوارع الرياض التي أعرفها جيداً ، وظننت أن نهاية هذا المشوار هو مبنى للمباحث ، أو مركزاً للشرطة ، ولكن توقعاتي قد خابت كلها ، لأجد نفسي داخل قصر الحكم ( إمارة الرياض ) !
بدأت ملامح الأمر الجلل تتضح شيئاً قليلاً ، إذ إن هيئة الرجلين اللذين اقتاداني من عملي توحي بأمر مهيب لا أتخيل وقوعه ، !
مضينا جميعاً في دهاليز قصر الحكم ، وحالي حينئذ كما لو قد كنتُ أُساق إلى الموت : مذهولاً ، مستسلماً ، لا أقوى على الاستنتاج ، ولا أستطيع التفكير !
وصلنا إلى مختصر كبير يشي بأنه مدخل لصاحب منصب رفيع ، فتوقفنا فيه قليلاً ؛ ثم أُذن لنا بالدخول ، فإذا نحن أمام " سلمان بن عبدالعزيز" أمير الرياض !
وقف الضابط عن يساري ، والرجل الضخم الأسود عن يميني ، فيما كان الأمير منكباً على معاملات الدولة ، يقرأها ، ثم يشرح بقلمه عليها !
لا تسلني هذه اللحظة عن شيء ، فقد توقفت حركة الكون ، وجمدت الأشياء ، وصار على بصري غشاوة ، وأما عن ريقي فإنه كما صحراء لم تعرف قطر السماء يوماً من الأيام !
رفع الأمير رأسه بعد دقائق ، ثم سألهم قائلاً : أتيتم به ؟! فأجابوه بسرعة : نعم طال عمرك ، هو ذا !!
عاد الأمير مرةً أخرى إلى المعاملات يقرأها ، يشرح عليها ، في انهماك شديد أنساه وجودي ، إلى أن رفع رأسه بعد دقائق طويلة : أين ابن سعيد ؟ فقال الرجل الأسود : هو ذا طال عمرك !
كرةً أخرى ينهمك الأمير في معاملات الدولة ، لينساني محترقاً في لهب الانتظار والأفكار ، إلى أن وضع القلم أخيراً ، ثم رفع رأسه ، وأسند ظهره إلى كرسيه ؛ فقال : " ما فيه شيء يا ولدي إلا سلامتك ،
ولكن أتتنا برقية من سفارتنا في الكويت ، تفيد بأن عمتك الثرية قد توفيت ، وأنها قد خلّفت وراءها ملايين الروبيات ( عملة الكويت سابقاً ) والعديد من المنازل والأراضي ،
ولخوفنا من دخولها بيت المال الكويتي ، وصعوبة المعاملة بعد ذلك ، فإنّ إمارة الرياض قد ارتأت أن تسلمها لك بنفسك ،
لتنهي إجراءات الإرث قبل أن يدخل بيت المال الكويتي ، كما وأننا عمّدنا سفارتنا هناك لمساعدتك فيما تحتاج" !!
لم أستطع أن أقول شيئاً أو أن أتفوه بجملة ؛ ومن أين لي بقوة تسعف لساني على الحركة ...
لا شيء سوى أني قد قلت بصوت متحشرج : " يطول عمرك " !
خرجت بمعاملة الإرث من الإمارة ، وتوجهت إلى الكويت ،
لأجد الملايين تنتظرني ، والبيوت ، والأراضي ، فرحمة الله عليك ، ثم رحمة الله عليك ، ثم رحمة الله عليكِ : يا عمتاه ! : )
عدت إلى الرياض ، وكافأت جيراني الأوفياء بمكافأة مجزية ، وأخذت أطفالي منهم ،
ثم تزوجت ، وأكملت دراستي ، إلى أن وصلت إلى هذا المنصب الكبير في وزارة الداخلية ، مع مال طائل عريض لا أشكر عليه سوى ربي الرحيم المنّان ثم عمتي " الغالية " .
قلت له :
صدَق من قال - بعد الرؤيا التي رأيتها في المنام - أن المال وصخ دنيا ! :)
|