إطفاء نار الحساد بلاحسان إليه
بسم الله الرحمن الرحيم قال العلامة القيم إمام أهل السنة والجماعة ابن قيم الجوزية – رحمه الله تعالى - : ( ... السبب التاسع : وهو من أصعب الاسباب على النفس ، وأشقها عليها ، ولا يوفق له إلا من عظم حظه من الله ، وهو : إطفاء نار الحاسد والباغي والمؤذي ، بالإحسان إليه . فكلما ازداد أذىً وشراً وبغياً وحسداً ازددت له إحسانا ، وله نصيحة ، وعليه شفقة ، وما أظنك تصدق بان هذا يكون ، فضلا أن تتعاطاه فاسمع الآن قول الله عز وجل {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيم وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } وقال {أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ }القصص54 وتأمل حال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذ ضربوه قومه حتى أدموه ، فجعل يسلت الدم عنه ويقول ( اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ) كيف جمع في هذه الكلمات أربع مقامات ، من الإحسان ،قابل بها إحسان إساءتهم العظيمة إليه ؟ أحدها : عفهم عنه والثاني : استغفاره لهم والثالث : اعتذاره عنهم بأنهم لا يعلمون والرابع : استعطافه لهم بإضافتهم إليه ، فقال ( اغفر لقومي ) كما يقول الرجل لمن يشفع عنده فيمن يتصل به : هذا ولدي : هذا غلامي ، هذا صاحبي ، فهبه لي . واسمع الآن ما الذي يسهل هذا على النفس ، ويطيبه إليها وينعمها به . اعلم أن لك ذنوبا بينك وبين الله ، تخاف عواقبها ، وترجو أن يعفو عنها ، ويغفرها لك ويهبها لك ، ومع هذا لا يقتصر على مجرد العفو والمسامحة ، وحتى ينعم عليك ويكرمك ، ويجلب إليك من المنافع والاحسان فوق ما تؤمله ، فإذا كنت ترجو هذا من ربك ، وتحب أن يقابل به إساءتك ، فما أولاك وأجدرك أن تعامل به خلقه ، وتقابل به إساءتهم في حقك يفعل الله معك في ذنوبك وإساءتك ، جزاء وفاقا ، فانتقم بعد ذلك ، أو اعف ، وأحسن واترك ، فكما تدين تدان وكما تفعل مع عباده يفعل معك . فمن تصور هذا المعنى ، وشغل به فكره ، هان عليه الإحسان إلى من أساء إليه . وهذا مع ما يحصل له بذلك من نصر الله معيته الخاصة ، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للذي شكى إليه قرابته ، وأنه يحسن إليهم وهم يسيئون إليه فقال ( لا يزال معك من الله ظهير ، ما دمت على ذلك ) هذا ما يتعجله من ثناء الناس عليه ، ويصيرون كلهم معه على خصمه . فإن كل من سمع أنه محسن إلى ذلك الغير ، وهو مسيء إليه ، وجد قلبه ودعاءه وهمته مع المحسن على المسيء ، وذلك أمر فطري ، فطر الله عليه عباده ، فهو بهذا الإحسان ، قد استخدم عسكرا لا يعرفهم ولا يعرفونه ولا يريدون منه إقطاعا ولا خبزا . هذا مع أنه لابد له مع عدوه وحاسده من إحدى حالتين : إما أن يملكه بإحسانه ، فيستعبده وينقاد له ، ويذل له ، ويبقى الناس إليه وإما أن يفتت كبده ويقطع دابره ، إن أقام على إساءته إليه ، فإنه يذيقه بإحسانه أضعاف ما ينال منه بانتقامه ، ومن جرب هذا عرفه حق المعرفة ، والله هو الموفق والمعين ، بيده الخير كله ، لا اله غيره ، وهو المسؤول أن يستعملنا وإخواننا في ذلك بمنه وكرمه وفي الجملة ففي هذا المقام ما يزيد عن مائة منفعة للعبد عاجلة وآجلة ، سنذكرها في موضع آخر إن شاء الله تعالى ************** [ التفسير القيم 592-593 ] |
الساعة الآن 05:40 PM
|
Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
استضافه ودعم وتطوير وحمايه من استضافة تعاون