منتديات قبائل ال تليد

منتديات قبائل ال تليد (https://www.al-taleed.com/vb/index.php)
-   - "تحليقات في فضاءات همس القصيد" (https://www.al-taleed.com/vb/forumdisplay.php?f=10)
-   -   من أروع قصائد الرثاء (كعب الغنوي يرثي أخاه أبا المغوار) (https://www.al-taleed.com/vb/showthread.php?t=14100)

مفرح التليدي 01-15-2012 12:49 AM

من أروع قصائد الرثاء (كعب الغنوي يرثي أخاه أبا المغوار)
 

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ..



(قراءة ذاتية في مرثية كعب الغنوي التي يرثي بها أخاه أبا المغوار )





في البدء :




متى نقول من عيون المراثي ؟!


إلا إذا كان المرثيــُّون عيونا !


وكيف نقرؤ ذاك الشعر ؟!


إلا إذا علمتنا الحياة تلك اللغة !


لغة الندب , والتأبين , وصدق الرثاء ..


, , , ,


الأخوّة رباط ٌ رباني مقدس , لا تنفصم عراه بالهجر ، ولا تضعف أواصره بالرحيل ..


وما أكثر بكاء الإخوة في تراثنا :المهلهل وكليب , الأعشى ومنتشر , الخنساء وصخر ... ومجموعة الإخوة الثكالى غير منتهية ..


ومنها هذه القصيدة التي قالها الشاعر المسلم : كعب بن سعد الغنوي , ذكره ابن سلام في طبقاته , وسئل عنه الأصمعي فقال : مرثية ليس في الدنيا مثلها ..



هي بائية ٌ مضمومة , وبكائية ٌ مكلومة ..





تقول سليمى : ما لجسمك شاحب ٌ ** كأنك يحميك الشراب طبيب ُ


إنه لا يعاني شحوبا جسديا وحسب يا سليمى ! لـَــهان َ العرَض ُ , ولكنه بعد أبي المغوار يقاسي شحوبا نفسيا , وهذا من شديد المرض ..!


تتابع أحداث تخر من إخوتي ** وشيــَّبن رأسي , والخطوب ُ تُشيب ُ


لعمري لئن كانت أصابت مصيبة **أخي والمنايا للرجال شعوب ُ ..


لقد كان أما حلمه فمروح ٌ **علينـــا , وأما جهله فعزيب ُ!!


حليم ٌ إذا ما سورة الجهل أطلقت **حبا الشيب للنفس اللجوج غلوب ُ


صفات لا محسوسة يبرع الشاعر في تحويلها لكائن حي متحرك.. مرئي ومسموع ..


خـِلالٌ تستعصي على القياس والتحديد , لكن الرحيل يؤطّــرها , والغياب يسطِّرها ..


وهذا لا يتحقق إلا لمثل أبي المغوار كما يراه أخوه : خيره مقيم ٌ بين مضارب الأرواح , وفضله ضارب ٌ بجذوره في أعماق الأعماق .. شره بعيد "عزيب ُ!" عاقل يغلب النفس "اللجوج " ويتحكم بسورة الطيش وهوى النفس ..


لأنه أخي .... وما أدراك من وما أخي ؟!!!


أخي ! ما أخي ؟!! لا فاحش ٌ عند بيته ** ولا ورع ٌ عند اللقاء هيوب ُ


هو العسل الماذي ّ حلما ونائلا ** وليث ٌ إذا يلقى العدو َّ غضوب ُ


أخو شتوات ٍ يعلم القوم أنه ** سيكثر ما في قدره ويطيب ُ


حبيب ٌ إلى الزوار غشيان بيته ** جميل المحيا , شب َّ وهو أديب ُ


هوت أمــُّه ما يبعث ُ الصبح غاديا !!** وماذا يؤدي الليل حين يؤوبُ


هوت عرســُه ماذا تضمــَّن قبرُه ُ **من المجد والمعروف حين يثيب ُ


إنه (مهيب الحضور مجيب النداء) , هو( العسل, الليث) , (الشاب ,الأديب ),( العفيف , المقدام )

(الحبيب , الجميل ) ( رائع الإصباح , بديع الإمساء ) مثله لا بد أن أمه "تهوى " أدق ّ ما يحضره لها صباحا , وتعشق أرَق ّ َ ما يقوله لها مساء !..."تهوى " كل ما يمت ّ له بصلة ! والهوى يختلف عن الحب أنه قوة مسيطرة لا ترتبط بوقت , لا يبدؤها مسبب ولا ينهيها زوال سبب ..

هذا أبو المغوار عند أهله وخاصته .. فكيف كان عند "الرجال " تأملوا هيبة الحضور والحضور حتى في الغيبة :


إذا ما تراءته الرجال تحفظوا ** فلم تنطق العوراء وهو قريب ُ


فتى لا يبالي أن يكون بجسمه **-إذا نال خلاَّت الكرام ِ- شحوب ُ


حليف الندى , يدعو الندى فيجيبه **قريبا ويدعوه الندى فيجيب ُ


فتى أريحي ٌ , كان يهتز ّ للندى ** كما اهتز من ماء الحديد قضيب ُ


كعالية الرمح الرديني لم يكن ** إذا ابتدر الخير الرجال يخيب ُ !


مفيدٌ , ملقي الفائدات, معاود **لفعل الندى والمكرمات كسوب ُ


ترى عرصات الحي تمسي كأنها ** إذا غاب !!!! لم يحلــُل ْ بهن عريب ُ


يترنــَّح المعنى الملتاع , وتتأرجح ُ الفكرة ُ الثكلى .. فمن أقصى الشجاعة لأبهى الكرم , من أعلى الهيبة لأغلى العطاء ,, يذهب الشاعر ويعود لذات الأفكار , ويدور في نفس الدائرة .. لكن لا بأس , لا تثريب عليه ؛ "فما انسدَّت الدنيا عليه لضيقها !!"




ليته يعود ! ليت الموت خطفه رهينة ! ثم طلب ما يشاء فدية له !إذن لافتداه : بم َ ؟ بالمال ؟ بكل ما لا تمله النفوس ؟ بالعينين ؟ باليدين "كلا لأنه أكرم من أن يذكر اليسرى معه فلن يفتديه إلا بما يشبهه : اليد اليمنى .. كما كان الراحل دوما "يدا يمنى " !


فلو كان ميتا يُفتدى لافتديتــُه ُ** بما لم تكن عنه النفوس تطيب ُ





بعيني .. أو يمنى يدي َّ !! وقيل لي ** هو الغانم الجذلان حين يؤوب ُ


ولا أقسى من مواقف الفقد إلا مواقف ارتبطت بشموخ الفقيد فكانت من اختصاصه , حين يُعرف بها ويناديه من يحتاجه فيها فلا يرد ..


أيها الباحث عنه : ارفع صوتك رجاء ً " لعل أبا المغوار منك قريب ُ "!


وداع ٍ دعا هل من يجيب إلى الندى ** فلم يستجبــْه ُ عند ذاك مجيب ُ !!


فقلت ادفع بأخرى وارفع الصوت دعوة ** لعل َّ أبا المغوار منك قريب ُ !


يجبــْك , كما قد كان يفعل إنه ** أمثالــها رحب الذراع ِ أريب ُ


أتاك سريعا واستجاب إلى الندا ** كذلك قبل اليوم كان يجيب ُ !


يعود مترنحا باللوعة للكرم والشجاعة , لا تترك له الذكرى فسحة ً من نسيان , ولا سبيلا من سلوى .. فكل ما بقي بعده : (قلــــيــــل ) .. انتهت منه الدنيا وتجهزت لتخطف آخر , فما أحمق من يؤمل كثيرا في دار فناء ٍدنيــّة ..


يبيت الندى يا أم عمرو ٍ ضجيعــُه ** إذا لم يكن في المنقيات حلوب ُ


فعشنا بخير ٍ حقبة ثم جلحت ** علينا , التي كل الرجال تصيب ُ !!


فأبقت قليـــــــــــلا فانيا وتجهــَّزت ** لآخر والراجي الحياة كذوب ُ


وأعلم أن الباقي الحي منهما ** إلى أجل ٍ أقصى مداه ُ قريب ُ


من يبكيك أبا المغوار .. بل السؤال الأحرى والأكثر حرارة من الذي لا يبكبك ؟


ليبكــِك َ شيخ ٌ لم يجد من يعينه ** وطاوي الحشا نائي المزار غريب ُ


كأن َّ أبا المغوار لم يوف مرقبا ** إذا ربأ القوم الغزاة رقيب ُ

ما تركت له صعقة موت أبي المغوار إلا حريق الأسئلة , واشتعال الإجابات ..فكان الحد الفاصل بين الحياة قبله والحياة بعده ..فالراحل يبدو باسقا في ذاكرته بلا خطايا بلا عيوب ,- وكثيرا ما نرى الراحلين أجمل .. ونسمع أصواتهم أندى وأعذب- .. تمتليء ببهاء صورته السماء , ويتضمخ بعطر ذكراه المساء,, فيتواصل الليل بالنهار , وتلتحم الصورة بالذكرى .. ويمتد المساء ليشمل جوانب الحياة كلها .. كل ما بعده " ليل "
انهار النهار بغروب أبي المغوار ..

ويستمر الغيث الباكي بالهطول ..فيرتفع منسوب الصدق .. و يفيض,, ليغمر َ قلوبا منكوبة , ويعمرَ صدورا مسلوبة :


وإني لباكيــه , وإني لصادق ٌ ** عليه وبعض القائلين كذوب ُ


لعمر كما أن البعيد الذي مضى ** وإن الذي يأتي غدا لقريب ُ !!


ألا هل أتى أهل المقانب أنه ** أقام وعرّى الناجيات ِ شبيب ُ


فتى الحرب إن حاربت كان سمامها ** وفي السفر مفضال اليدين وهوب ُ




إذا ذرَّ قرن ُ الشمس عللــْت ُ بالأسى !** ويأوي إلي َّ الحزن ! حين تغيب ُ !!



. . . . . .


وفي الختام :


لم َ تأثر بهذه الدامعة كثير من الشعراء ؟!


" تتضح عند أبي العتاهية : إذا ما خلوت الدهر "


لا لصورة مبتكرة ولا لمعنى نادر ..


بل تفردت ولا شك :


لحريق الفقد الموغل في حنايا الضلوع ..


الذي لا تطفئه شلالاتُ الحزن المتدفق في دموع ..



لفائض الصدق .. وفارض الحُــب ّ ..


تأثروا ؛


لــِكــَم ِّ المؤكدات اللغوية, واللا لغوية ..


(وإنِّي لـَبـَاكـِيهِ وإنِّي لـَصادقٌ )



رحم الله موتانا وموتى المسلمين .. ومتـَّعــَنـَا وإياهم بلذة النظر إلى وجهه الكريم..


والحمد لله رب العالمين ..

ابو ثانيه 01-15-2012 07:38 PM

رد: من أروع قصائد الرثاء (كعب الغنوي يرثي أخاه أبا المغوار)
 
الله يجزاك خير يا شيخ مفرح
وجعل ماتقدمه في ميزان حسناتك

الحريصـي 01-15-2012 09:14 PM

رد: من أروع قصائد الرثاء (كعب الغنوي يرثي أخاه أبا المغوار)
 
شكراً اخي مفرح متميز دائماً في الطرح
بارك الله فيك وتقبل خالص تحياتي ومودتي..

مفرح التليدي 01-15-2012 11:49 PM

رد: من أروع قصائد الرثاء (كعب الغنوي يرثي أخاه أبا المغوار)
 
أخي أبا ثانيه

أخي الحريصي

شكر الله لكما وزادكما من فضله وتوفيقه


الساعة الآن 08:29 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
استضافه ودعم وتطوير وحمايه من استضافة تعاون