منتديات قبائل ال تليد

منتديات قبائل ال تليد (https://www.al-taleed.com/vb/index.php)
-   - "شُطْــــآنُ الْبَوْحِ" (https://www.al-taleed.com/vb/forumdisplay.php?f=90)
-   -   الشَّيـب والهَــرمْ - رسـائل أدبيـة لمن خـطَّ في رأسهِ الشَّيـبْ ولمْ يتَّعـظْ (https://www.al-taleed.com/vb/showthread.php?t=20826)

أبوفيصل 10-27-2013 08:53 AM

الشَّيـب والهَــرمْ - رسـائل أدبيـة لمن خـطَّ في رأسهِ الشَّيـبْ ولمْ يتَّعـظْ
 
الشيب والهرم مرحلة من مراحل العمر ، من طال عمره فحتماً سيمر بهذه المرحلة ، ويصل إليها وقد شُحن بالتجارب والأمثال والحكمة ، وهنا أودُّ أن أُلقي نظرة أدبية فيها شيء من الازدواجية ، فمنهم من تذمر وتضجر ، وأطلق الآهات على ما فات من العمر ، ومنهم هلَّل ورحب به وهم قلة ! .
أما عن الشيب فلا تسلْ فها هو زكريا - عليه السلام - يقول : { ربِّ إنّي وهنَ العظمُ منِّي واشتعلَ الرأسُ شيباً } . انظروا لكلمة اشتعل ؛ فاشتعال النار في الشيء كفيلة بطمس معالمه وتغيير لونه ومظهره . حتى يقول ابن دريد :
أما ترى رأسي حاكى لونه
غرة صبح تحت أذيال الدجى


واشتعل المبيضُّ في مسوَّده
مثل اشتعال النار في جمر الغضى

فمن الشعراء من شكا السبعين , ومنهم من شكا الثمانين , ومنهم من قال في الستين أيضاً :
وإن امرأً قد سار ستين حجة
إلى منهل من ورده لقريب

دخل عوف بن محلى على المأمون فقال له : ادن مني ، فدنا منه يتكلم ، فلم يسمع بعض كلامه ؛فقال له المأمون : ما تسمعني ؟ فقال له :
إنَّ الثمانين وبلِّغتها
قد أحوجت سمعي إلى ترجمان

ومن أجمل ما قيل في الثمانين أن شيخاً بلغ هذه السن ، وكان مسافراً ومعه أبناؤه ، واحتاجوا أن يناموا في مكان واحد ، وإذا به يتأوه ويزفر ويتململ ، فتضجروا منه ولم يهنأوا بالنوم ، فقالوا له : ما هذا الأنين ؟ أزعجتنا نريد أن ننام ونرتاح ، فحزن وأسف على ما مضى من عمره ، ثم جلس من حينه ، ونظم قصيدة هي من أروع القصائد في أدبنا العربي.
وقد كان معدماً فقيراً أيام شبابه ، حاول جمع المال فما تيسر له ، ولم كبر في السن وقارب الثمانين أتاه المال وأتته الدنيا ؛ فيقول في قصيدة جميلة :

ماكنت أرجوه إذْ كنت ابن عشرينا
ملكته بعد ما جاوزت سبعينا

تطوف بنا بنات الترك رهيفة
مثل الظباء على كثبان بيرينا

قالوا أنينك طول الليل يسهرنا
فما الذي تشتكي قلت الثمانينا

وهذه هي الدنيا لا تستقيم على حال ، يقبل المال وقد ذهب الشباب والصحة ، فمريض ذا ثروة ، وصحيح فقير ، ولا تستقيم الحياة إلا بجوار الواحد الأحد في جنات الخلد ، نسأل الله من فضله .

ويقول آخر في الثمانين :

سئمت تكاليف الحياة ومن يعشْ
ثمانين حولاً – لا أبا لك – يسأمِ

حتى أن المتنبي يقول في بيت جميل له : لا تصدقوا الشيخ إذا قال : آه من الحياة !

وإذا الشيخ قال : أُفٍّ ، فما
ملَّ الحياة وإنما الشيب ملَّ !!

أي إنما ملَّ من الشيب ، وإلا فهو لا زال يريد الحياة ، بل هو حريصٌ متشبثٌ بها .
وعلى ذكره عجائب هذا الأعجوبة فله بيت جميل في الدنيا ، يقول الشوكاني معلقاً على هذا البيت والقصيدة : لا إله إلا الله ما أدق نظر المتنبي ! ، ولا إله إلا ما أجمل حِكَمه .
وهذا هو البيت ، يقول :

كل دمعٍ يسيل منها عليها
وبترك اليدين منه تخلَّى
أي : أن الإنسان إذا بكى على الدنيا فهو يبكي عليها ، فلا يتركها حين يموت إلا هو متشبث بها .

ومما يذكر عن الشيب أن شيخا كبيراً مرَّ بشباب ، فتغامزوا لمَّا رأوا لحيته طويلة بيضاء وقد احدودب ظهره ، فصارت لحيته كأنها قوس ،
فقال له أحد الشباب :
يا شيخ ، من أهدى لك هذا القوس ؟
فقال :
أهدانيه الدهر وسوف يهدي لك قوساً مثله بلا ثمن !!

وهناك في الجانب الآخر أناس وهم قلة حتى كأنهم يرحبون بالشيب .
دُعي أحد كبار السن إلى بعض المجالس اللاهية اللآغية , فقال :
" كفى بالشيب والإسلام للمرء ناهياً "

حتى يقول أحدهم :
وأرى الليالي ما طوت من قوتي
ردته في عظتي وفي إفهامي
أي: إن كانت الليالي أضعفت جسمي وقوتي ، فقد ردته لي في ذهني وفكري وعقلي .

وآخر يقول :
ذهب الشباب بجهله وبعاره
وأتى المشيب بحلمه ووقاره

يقول أبو العتاهية :
ألا ليت الشباب يعود يوماً
فأخبره بما فعل المشيب

ويقول آخر عن إعراض النساء عنه لمَّا اكتسى رأسه بالشيب :
رأينَ الغواني الشيب لاحت بعارضي
فأعرضن عني بالخدود النواضر !

فالناس يكرهون الشيب من أجل هذا ، حتى يقول المتنبي مادحاً نفسه !!! :
ومن هوى الصدق في قولي وعاداتي
تركت شعراً برأسي غير مخضوب
أي : أني من صدقي ووضوحي وشفافيتي أنني لا أخضب شعري .

ويقول آخر في بيتين جميلين عن خضاب الشعر وهو يتلكم بلسان حال امرأة ، ولكن هنا عن الغش !! :
قالت : خضبت الشعر قلت لها
سترته عنك يا سمعي ويا بصري

فقهقهت ثم قالت من تعجبها !!
تكاثر الغش حتى صار في الشَّعْرِ!!

ختــاماً :
يا من كسى رأسه الشيب هذه رسائل أدبية وموعظة دينية ، فمع الشيب العقل والحكمة والأناة والبصيرة ، وتدارس للعواقب ، والتفكرُ في الموت ، والاستغفار والتوبة والعودة إلى الله ، فحريٌّ بمن جاوز الستين الاستعداد للرحيل ، فقدمٌ في الدنيا ، وقدمٌ على شفير القبر ، فاستغفرْ وتبْ وعدْ إلى ربك بارك الله فيك .


أسأل الله أن يحسن لي ولكم الختام ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد .

تليدي وافتخر 10-27-2013 09:05 AM

رد: الشَّيـب والهَــرمْ - رسـائل أدبيـة لمن خـطَّ في رأسهِ الشَّيـبْ ولمْ يتَّعـظْ
 
الشيب بوابة الهرم الذي تكثر في العلل وتزداد المعاناة ..نسأل الله الصحة على الطاعة..

أبو فيصل .. راقني ما طرحت هنا

شكراً ألف

تميم 11-01-2013 02:52 AM

رد: الشَّيـب والهَــرمْ - رسـائل أدبيـة لمن خـطَّ في رأسهِ الشَّيـبْ ولمْ يتَّعـظْ
 
طرح قيم جدا وفيه وعظ وتذكير بحسن الانابه الى الله وانا ارى في كل وقت وفي كل عمر ومن تقدم به عمره فحري ان يكون الى الله اقرب كما هو للموت اقرب .......
نسال الله ان يطيل اعمارنا ع طاعته ويحسن ختامنا جميعا
جزيت كل الخير ابافيصل ونفع بك وبماطرحت

ابو فواز 11-01-2013 12:58 PM

العمر ايام وسويعات تمضي سريعا
ويجب ان لا يلهينا طول الامل فالاجل قد ياتي فجات
اما الشيب فهو احدى مبشرات المراء بانه قد بدأ في الانحدار
فيجب علي الانسان ان يكون دائما مراقب لنفسه ويرى كل هذه التغييرات التي تمر عليه ويتعظ بها

موضوع قيم جدا
بارك الله فيك اخي ابو فيصل

أبوفيصل 11-01-2013 06:28 PM

شكرا لكم حميعا على المرور والتعليق

بارك الله فيكم


الساعة الآن 04:32 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
استضافه ودعم وتطوير وحمايه من استضافة تعاون